لا شك أن الازمات على الصعيد المحلي كثيرة، وتعود بمعظمها للسياسات التي حكمت الدولة والمحسوبيات والتنفيعات التي لا تزال مستمرة. وحلقة جديدة من هذه الأزمات تفتح عبر باب مناقصة الطوابع التي تحمل الكثير من الغرابة وعلامات الإستفهام.
في كل مرة كانت الدولة اللبنانية تجري مناقصة لتأمين الطوابع، كانت هذه المناقصة تُلغى ويتم تلزيم شركة "انكربت" بالتراضي. في العام 2019، أصدرت وزارة المالية دفتر شروط بمواصفات عالمية لاستدراج العروض، لكن بعد الغاء عدد من المناقصات لأسباب وصفت بأنها غير منطقية، رست المناقصة على شركة "اديت انك"، وهي شركة لبنانية ووكيلة لمطبعة فرنسية، ربحت المناقصة لطباعة 163 مليون طابع بمبلغ 8 مليار ليرة أي ما يساوي 900 ألف دولار.
في هذا السياق، أوضح عضو مجلس إدارة شركة "اديت انك" آلان كردي، في حديث مع "تلفزيون النشرة"، أنه "عندما ربحنا المناقصة، كان من المفترض ان يتم تلزيمنا بسرعة نظراً لنقص الطوابع في السوق، لكن ديوان المحاسبة رفض المناقصة ودعا الجيش اللبناني لوضع عرض أسعار لتلزيمه بطباعة الطوابع"، مشيراً إلى أن "هذه المرة الأولى التي يقوم فيها ديوان المحاسبة بذلك ولا نعرف السبب".
بما يخص آلية المناقصة، تجري الدولة استدراجاً للعروض وتفتح المناقصات في جلسة خاصة، وصاحب المناقصة الأقل كلفة هو الذي يربح. وبعد الاعلان عن الرابح تتحول الى وزير المالية الذي يطلب الاعتمادات اللازمة، ومن ثم تتحول الى ديوان المحاسبة الذي يدقق في الاجراءات. وفي مناقصة الطوابع الأخيرة، تم الرفض بحجة أن التكلفة عالية.
مصادر وزارة المالية، أوضحت عبر تلفزيون "النشرة"، أن "ديوان المحاسبة رفض المناقصة وطلب من الوزارة ان تطبع الطوابع عند الجيش اللبناني او مديرية الشؤون الجغرافية"، مشيرة إلى أنه "قبل عرض المناقصات، تواصلت الوزارة مع الجيش الذي طلب الأموال سلفاً وهذا ما لا يمكن القيام به، كما أنها أرسلت لجنة فنية إلى مطابع الجيش واكتشفت انه لا يوجد آلات لطباعة الطوابع".
في هذا السياق، لفت كردي إلى "أننا راسلنا ديوان المحاسبة في 16 تشرين الثاني، وأوضحنا له أن عرضنا بالمواصفات الجديدة يمكن أن يكون أرخص إلا أن الديوان لم يفتح لنا المجال وهذا دليل على أنه هناك أمر خلف إلغاء المناقصة الأساسية"، مضيفاً "الجيش وقّع الإتفاق مع وزارة المالية وتم ارساله إلى الديوان الذي وافق بسرعة. نحن نفرح حينما يكون كل شيء بيد الجيش، لكن نتمنى أن يتم ذلك على كل الطباعات كجوازات السفر وان لا يكون الموضوع استنسابياً".
وفق معلومات "تلفزيون النشرة"، اشتكت مديرية الشؤون الجغرافية من عدم قدرتها على توفير الكمية المطلوبة، ما أدى إلى لجوء وزارة المالية إلى الشركة التي كانت في السابق تختكر طباعة الطوابع، أي شركة "انكربت" وهو ما يضرب المناقصة التي تم اجراءها.
من هنا، أشارت مصادر وزارة المالية إلى انه "بعد قرار ديوان المحاسبة، تنتظر وزارة المالية تأمين العدد المطلوب من الطوابع، الا ان مديرية الشؤون الجغرافية غير قادرة على تأمين هذه الأعداد، كما ان الطوابع التي تم اصدارها كان فيها بعض الأخطاء الفنية"، مضيفة "سيعود هذا الملف إلى وزير المالية غازي وزني ليعيد النظر بالمناقصة او يعيد استدراج العروض"، وهنا تدخل وزارة المالية في مشكلة قانونية لان هناك شركة ربحت في الأساس بالمناقصة.
في هذا السياق، اعتبر كردي أن "المسؤول الاول عن هذا الوضع هو وزارة المالية، واذا الوزير لديه القدرة على تحمل مسؤولية عدم وجود طوابع فليكن، لكن في حال ذهبوا لاستدراج عروض جديد، ونحن في الأساس فزنا في المناقصة، سنذهب بالتأكيد الى مجلس شورى الدولة"، مطالباً ديوان المحاسبة اعادة النظر بالملف.
سلك ملف الطوابع مساراً مبهماً. لكن، بما أن الخيارات تصب في صالح الشركة التي كانت تحتكر هذا القطاع في السابق، فلماذا تجرى المناقصات؟ وهل فعلاً وقف الاحتكار في هذا الملف، أم يتم تكريسه للسنوات المقبلة؟