إغتيال العالم الإيراني محسن فخري زادة في طهران الأسبوع الماضي، وإضافة إلى أنّه مثّل خرقًا أمنيًا وإستخباريًا خطيرًا جدًا للعُمق الإستراتيجي لإيران، جاء في سياق مُستمرّ منذ العام 2010 لتصفية العلماء النوويّين الإيرانيّين الكبار الذي عملوا على تطوير قُدرات بلدهم النوويّة، مع تشابه كبير في الأسلوب المُتبع للتخلّص من هؤلاء العُلماء(1). وقد أعقب عمليّة الإغتيال تصويت البرلمان الإيراني على مشروع رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، لتأكيد النيّة بإفشال هدف العمليّة. كما صَدرت سِلسلة تهديدات على لسان مجموعة واسعة جدًا من كبار المسؤولين الإيرانيّين، بالرد على هذا الإعتداء بقسوة بعد إتهام إسرائيل بالوقوف خلفه، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تتخذ إجراءات دفاعيّة مُختلفة، وكانت فيه الولايات المتحدة الأميركيّة تُعزّز وجودها العسكري في الخليج العربي. فهل يُمكن أن تقع مُواجهة عسكريّة؟.
لا شكّ أنّ عمليّة إغتيال العالم زادة تُعتبر من بين أخطر عمليّات الإغتيال التي إستهدفت العُلماء الإيرانيّين، لأنّها أزاحت العقل المُدبّر للجُهود السرّية الإيرانيّة لتطوير أسلحة نوويّة، وقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن وصف فخري بأنّه "أب البرنامج النووي العسكري الإيراني". وليس بسرّ أنّ حُصول إيران على السلاح النووي، يُمثّل لإسرائيل مسألة حياة أو موت، ما يعني أنّ الثانية مُستعدّة للقيام بأي خُطوة–مهما بدت خطيرة أو مُتهوّرة، وذلك بهدف عرقلة جُهود طهران لتطوير برنامجها النووي، علمًا أنّ هذه الأخيرة تنفي دائمًا أن تكون تسعى لإمتلاك السلاح النووي، وتتعهّد في الوقت عينه بمُتابعة جُهودها لتطوير برنامجها لغايات سلميّة–كما تقول. وليس بسرّ أيضًا أنّ الإتفاق النووي الذي جرى توقيعه في حزيران من العام 2015، بين الولايات المُتحدة الأميركيّة والمُجتمع الدولي من جهة، وإيران من جهة أخرى، كان يهدف إلى منع حُصول إيران على القُنبلة النووية، في مُقابل تقديم تنازلات عدّة لها(2).
وبحسب مُحلّلين غربيّين إنّ الإدارتين الإسرائيلية والأميركيّة توافقتا أخيرًا، على أنّ الوقت مُناسب حاليًا لإستهداف البرنامج النووي الإيراني مُجدّدًا، لأنّ إيران ستكون عاجزة عن الرد منعًا لأخذ الأمور إلى مُواجهة عسكريّة في توقيت غير مُلائم لها، لكنّه مُناسب لكل من إسرائيل وأميركا. وفي حال قامت بالردّ، فإنّها ستُؤمّن الذريعة التي يريدها كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الأميركي المُنتهية ولايته دونالد ترامب للرد عسكريًا. ودائمًا بحسب هؤلاء المُحلّلين، إنّ الأهداف مُتوافق عليها بين تل أبيب والإدارة الأميركيّة الحاليّة، وهي تشمل تدمير كل المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، وتدمير مصَانع الصواريخ الباليستيّة. وتُوجد مَصلحة لنتانياهو للتخلّص من الخطر الذي تُمثّله هذه المُنشآت على إسرائيل، حيث أنّ الفرصة لتحقيق هذه الغاية قد لا تكون مُتوفّرة خلال حُكم الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن. كما تُوجد مَصلحة لإدارة ترامب لتوتير الوضع أمنيًا مع إيران، لأنّ ذلك سيُورّط الولايات المتحدة الأميركيّة في نزاع عسكري، سيكون له إرتدادات كثيرة لا يُمكن لأي إدارة أميركيّة التنصّل منها بسُهولة، أيّ أنه حتى في حال تسلّم بايدن الحُكم لن يعود بمقدوره العودة إلى الإتفاق النووي.
من هذا المُنطلق، إستبعد عدد كبير من المُحلّلين الغربيّين أن تُنفّذ إيران التهديدات العالية السقف التي أطلقتها عقب إغتيال العالم زادة، بمعنى أنّها لن تضرب أهدافًا عسكريّة في إسرائيل، أو قواعد عسكريّة أميركيّة ثابتة أو أهدافًا أميركيّة مُتحرّكة في الشرق الأوسط، لأنّها بكل بساطة ستكون قد سقطت عندها في الفخّ الأمني الذي نصبته كلّ من واشنطن وتل أبيب لها، لإستدراجها إلي مُواجهة أمنيّة في غير توقيتها ولا يُناسب مَصلحتها الظرفيّة. لكنّ هذا الأمر لا يعني أنّ إيران لا تدرس حاليًا خيارات الردّ المُتاحة، والتي يُمكن أن تكون عبر إغتيال شخصيّة دبلوماسية إسرائيليّة أو أميركيّة رفيعة المُستوى، في أي مكان من العالم، أو يُمكن أن تكون عبر تحرّك أمني بالواسطة، أي عبر مجموعات مُسلّحة ومَدعومة ماليًا ولوجستيًا من إيران، وفي أرض عربيّة أو خليجيّة مثلاً.
وبالتالي، الأمور مَفتوحة على أكثر من إحتمال خطير خلال الأيام والأسابيع القليلة المُقبلة، حيث أنّ إيران مُحرجة جدًا أمام شعبها في حال العجز مُجدّدًا عن الردّ، وهي تخشى الإنجرار إلى مُواجهة تُناسب توقيت ومصالح كلّ من نتانياهو وترامب، في حال قامت بردّ مُباشر على واشنطن أو تل أبيب، ما قد يدفع طهران إلى اللجوء إلى خيار ثالث يتمثّل بردّ غير مُباشر عبر مجموعات مُسلّحة تابعة لها، على أن ينطلق هذا الرد في حال حُصوله من أرض غير إيرانية، على أمل أن يبقى لبنان بمنأى عن هذا الصراع!
(1) تمّت تصفية كلّ من مسعود محمدي (كانون الثاني 2010)، ومجيد شهرياري (29 تشرين الثاني 2010)، وداريوش رضائي (23 تموز 2011)، ومُصطفى أحمدي روشن (11 كانون الثاني 2012)، عبر زرع عبوات ناسفة أو عبر إطلاق النار عليهم من عُملاء يستقلّون سيارات عابرة. إلى ذلك نجا العالم فريدون عباسي دوراني من مُحاولة إغتيال في تشرين الثاني 2010.
(2) الإتفاق الذي وُقّع في لوزان جاء بعد سنوات طويلة من المُفاوضات والوساطات، وقد سمح لطهران بالتخلّص من مجموعة كبيرة من العُقوبات الدَولية التي كانت تُرهق كاهلها، في مُقابل السماح للمُجتمع الدَولي بمُراقبة برنامجها النووي وتأكيد طابعه السلمي.