في العلن، تبدو العلاقة بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري واخيه بهاء سلاماً وبراً، ولا مشاكل فيها على الصعيد الشخصي. ولكن في الشأن العام، يتخذ الموضوع منحى آخر يختلف كلياً عن هذه الصورة، ويصبح بمثابة سباق محتدم للوصول الى خط النهاية وهو كسب اللبنانيين. واللافت في هذا السباق انه يقام على مضمارين مختلفين، اذ اختار سعد الركض في المضمار الرسمي عبر تمسكه برئاسة الحكومة التي ما ان يتركها حتى يعود اليها سريعاً، وارتأى بهاء ان يسابق في المضمار الشعبي عبر قيامه بمشاريع وتقديمات تقرّبه من الناس في هذا الظرف العصيب الذي يمرّ به لبنان. اذاً اخذت المنافسة منحى اكثر جدية، بعد الكلام الاخير لبهاء حول اطلاقه مشروعاً متكاملاً مع نهاية السنة الحالية او بداية السنة المقبلة، اعتبره بمثابة خطة انقاذية للبنان، بالتوازي مع موقف لافت له حول ان "الثورة ستنظم نفسها وستدخل في مشروع موحّد وهي ستكون صاحبة القرار"، وهو اتهم بطريقة غير مباشرة سعد الحريري بتحميله مسؤولية كغيره من الطبقة السياسية التي تسلّمت البلد منذ العام 2004 وحتى اليوم.
من المعلوم للجميع ان حظوظ بهاء في الوصول الى رئاسة الحكومة تكاد تكون شبه معدومة، ولو انه يحظى بدعم خارجي لا بأس به، ولكنه لن يكون مقبولاً من الداخل وبالتحديد من اللاعبين المعروفين على الساحة، على عكس سعد الذي يرتاح اليه الافرقاء ولو ان بعضهم يتعاون معه على مضض، لكنه يبقى بالنسبة الى الجميع افضل من بهاء الذي يعتبر انه يجب نسف كل الاسس والركائز التي يتطلق منها السياسيون اليوم للوصول الى شاطىء الامان. ولان امكان تسلمه منصباً في الشأن العام صعب، وصعب جداً، كان الركون الى المبادىء الاساسية لغزو القلوب، اي المساعدات الاجتماعية والمادية للمحتاجين، وهي اليوم باتت الباب الاوسع والاسرع الى المواطنين، والوسيلة الاكيدة لكسب تأييد شريحة كبيرة منهم ستنقذها تدخلات بهاء من الواقع المرير الذي يزداد مرارة وقساوة.
في المقابل، يراهن سعد على تغيّر قواعد اللعبة في المنطقة، ويستند الى دعم الفرقاء المحليين له، ليعود بقوة الى الساحة ويبدأ اتخاذ خطوات متفق عليها مسبقاً من شأنها ان تضخ جرعات من الاوكسجين الى المناخ اللبناني، فتنحسر الغيوم السوداء شيئاً فشيئاً قبل ان تعود الامور الى ما كانت عليه قبل 17 تشرين الأوّل من العام 2019، مراهناً على تجارب عديدة في القدرة على طيّ ملفّات وصفحات ازعجت اللبنانيين وغيّرت طريقة عيشهم وهدّدت حياتهم اكثر من مرة، فيأكلها النسيان وتغيب في دهاليز التاريخ.
من الطبيعي الا يكون بهاء في الصورة السياسية المقبلة، ولكنه حتماً يرغب في ان يكون فيها في المراحل المقبلة من عمر لبنان، ولن يفوّت بالتالي فرصة تثبيت رجليه في الاراضي اللبنانية، فتزداد حظوظه في نقل السباق مع سعد الى المضمار الرسمي، ما يؤشر الى ان المستقبل القريب قد يشهد صراعاً حامياً بين الاخوين، من المرجح ان يستفيد منه قسم كبير من اللبنانيين، لان سعد لن يقف مكتوف الايدي بعد سقوط العوائق السياسية الداخلية والخارجية لتشكيل حكومته، وستبقى له الافضليّة في السباق طالما ان اللاعبين المحليين لن يتغيّروا، فأصواتهم مضمونة له في أيّ صيغة لقانون الانتخابات المقبلة، مع التشديد على ان القانون الحالي سيبقى هو المرجع في هذا المجال دون سواه، ما يعني ميزة اضافية لسعد للتفوق على بهاء الذي سيكون عليه انتظار فترة اخرى من الزمن قبل ان تنجح محاولاته في فرض نفسه كقوة شعبية وسياسية في الحياة اللبنانية.