اللبنانيون يعيشون اوقاتاً عصيبة فلا طاقة لأي شعب في تحمل اعباء الضغوط السياسية والحياتية الصحية والاقتصادية، لدرجة ان ظروف العيش الكارثية ارتبطت باللبناني وتوثقت بشهادة ولادته واضحت ملازمة لحياته.
اللبنانيون يعيشون حالة انفصام عن الوطن ولم يعد يجمعهم بالوطن سوى اللامنطق واللامعقول والتغول في ممارسات طائفية ومذهبية شاذة، ناهيك عن اقدام البعض على استسهال ارتكاب الجريمة واستباحة القتل واختطاف ارواح الناس المؤدية الى مزيد من المآسي الانسانية المترافقة مع فقر مدقع.
الوطن لم يعد الجامع بين اللبنانيين بيد ان الطائفة والمذهب والمنطقة والحي ومصلحة زعيم الطائفه كلها عوامل يمكنها ان تجمع طيفاً من اللبنانيين. بينما الوطن بمعانيه الحقيقية صار يعني بالنسبة لمعظم اللبنانيين الغربة عن الجغرافيا المناطقية وعن الاخ الانسان في الوطن.
فلبنان الوطن صار مجهولاً والبحث عنه يجري فقط بين زعماء الطوائف الذين اختصروا الوطن بشخصهم و بوجودهم فتعددت الاوطان في وطن حلمنا يوماً ان يكون موحداً حتى ان الوطن الجامع الحقيقي ضاع من اللبنانيين واصبح في عداد الاوطان الضائعة و المستَعْمَرة خصوصاً بعد تمكن ثلة من المتحاربين من تشكيل منظومة افسدت في البلاد والعباد وسرقت من اللبنانيين احلامهم بتحقيق مستقبل واعد، وعمدت الى نهب مدخراتهم وجعلت فلذات اكبادهم يفترشون ارصفة بلاد الغربة وذلك بعد قرار جائر قضى بمنع التحويلات المصرفية عن اجيال العلم في جامعات الخارج، اما في الداخل فقد تبخر قرشهم الابيض المدخر لايام سوداء ولم يعد متوافراً فذابت ايداعات اللبنانيين في غياهب المصرف المركزي بالاشتراك مع دولة المصارف الجاحدة. واما حكاية البقاء على قيد الحياة فهي لم تعد مضمونة بعدما استحوذت مافيا الفساد والنهب على الانفاس والمصير واحتكرت الامن الغذائي للمواطن كما احتكرت تجارة الضمير، فقصة العيش بكرامه وانفه في لبنان لم تعد صالحة للقراءة او للممارسة و اضحت من النوادر بل انها لم تعد متاحة.
اللبنانيون احترفوا ممارسة التنمر والمظاهر المبهرة مصحوبة بفراغ فكري لأنهم اوكلوا الى زعيم الطائفة مهمة التفكير والتدبير نيابة عنهم، وشطبوا من حياتهم ممارسة اي نوع من المسؤولية لأن تعريف المسؤولية عند معظم اللبنانيين اختصر بحماية الزعيم السارق، اما مسألة الكرامة والاستقامة وعزة النفس فيصفونها بالامر الذي ولى عليه الزمن ولم يعد مرغوباً ولم يعد صالحاً للتداول.
ان الوطن هو عبارة عن مجتمع متماسك، فالجامعة اللبنانية وحدها بقيت صرحاً تربويا علمياً متماسكاً عالي المستوى اسهمت في بناء مجتمع متعلم وفكر جامع للاجيال من كل الاطياف وتحت لواء العلم والمعرفة، بيد ان منظومة مافيا المحاصصة والاحزاب امتدت الى هذا الصرح لتفتك به وتقاسمته حصصاً فصار لكل طائفة فرعها ولكل حزب تخصص خاص ما جعل الجامعة اللبنانية خاضعة لسلطة احزاب طائفية متناحرة فضُربت الجامعة في الصميم وضُرب معها المجتمع العلمي وتحولت الجامعة اللبنانية الاكثر تعليماً في المنطقة الى مجمع خاضع للوصاية الحزبية الطائفية وحتى المذهبية.
ان المجتمع يكمن في القدرة على المعرفة اما المعرفة فهي تشكل قوة المجتمع وتماسكه.
نحن اللبنانيون فقدنا قدرة الحصول و استيعاب المعرفة فصار المجتمع اللبناني خالياً من القوة وفاقداً لأهم عوامل التماسك.
قاسية هي مشاعر الغربة عن الاهل والاحبه لكن الاكثر قساوة هي غربة الوطن عن ابنائه وبلا وداع.
تلك المشاعر القاسية تراودنا لحظة الانسلاخ عن الوطن لكن الاكثر قساوة هي مشاعر انسلاخ الوطن عن ابنائه فيصبحون في منزلة اللقطاء.
تعددت ثقافات اللبنانيين وكذلك مدارسهم التربوية وجامعاتهم العلمية وتنوعت كتب التاريخ والتربية حسب الانتماء السياسي واختلفت ممارساتهم الامر الذي احدث خللاً فاضحاً في الانتماء للوطن الأم وبذلك غابت عنا التربية والاخلاق وهجرنا الانسانية وانفصلنا عن المشاعرالوطنية
مشاعر معظم اللبنانيين تجاه الوطن صارت باردة وساخرة واضحت اللامبلاة واللامسؤولية واللامنطق واللامعقول وهجرة الانسانية والاخلاق و التربية هي الثقافة السائدة، اما التكبر والتنمر ومظاهر البريستيج والتهديد والوعيد وممارسة السلب والنهب وحتى ارتكاب الجرائم و القتل كلها ثقافات أضحت رائجة و متبعة وبوقاحة لا كابح لها.
لقد بلغ تفكك المجتمع اللبناني حداً بات معه بعض اللبنانيين غاضبين من البعض الاخر لانه استطاعوا تهديد وردع العدو الاسرائيلي. وصارت كل طائفة تفرح لحزن أصاب طائفة اخرى ولا يخفى سعي بعض اللبنانيين الى العودة إلى زمن الانتداب طلباً للحماية والحفاظ على امتيازات ومكتسبات طائفية على حساب باقي الطوائف في الوطن.
لبنان الوطن ضاع بين الطوائف وزعمائها، أما المجتمع اللبناني فمن الصعب ترميمه واعادة وحدته، والسبب هو هجرة التربية البيتية والوطنية. اما السبب الرئيس فهو ان المجتمع اللبناني تعود مغادرة الاخلاق الانسانية بتأشيرة خروج بلا عودة.
نختم بالقول أيها اللبنانيون
لا امل للوطن ولا للمجتمع اللبناني الا بالعودة الى تربية الاجيال الناشئة تربية بيتية وتربية وطنية حقيقية، والا فلن يسلم المجتمع ولن يكون لبنان وطناً.
ايها اللبنانيون ان إصلاح المجتمع مرده للاخلاق، إنما الأمم الاخلاق فإن ذهبت اخلاقهم هم ذهبوا.