لقد دأب الكيان الصهيوني على قضم الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات فيها، ولم يكن ذلك بالأمر المستغرب بالنسبة لكيان قائم في الأساس على فكرة الاستعمار الاستيطاني. وهذه الفكرة ترتكز بدورها على الاستعمار والاستيطان ثم الاحتلال، وكلها مراحل تصبّ في خدمة الفكرة الأساسية للصهيونية وهي تصفية وجود الشعب الفلسطيني في أرضه ونفي وجوده. وهذه التصفية تستلزم بطبيعة الحال اللجوء إلى الحكم العسكري والاعتماد على مجموعة من القوانين والأنظمة التي تقوم على التمييز العنصري، بحيث تمأسست هذه العنصرية من خلال إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإقرار قانون يهودية الدولة ومؤخراً اتخاذ قرار بضمّ الضفة الغربية.
قد يعتبر البعض بأنّ نظام الابارتهايد (Apartheid) قد انتهى في العالم مع سقوطه في جنوب أفريقيا مطلع تسعينيات القرن الماضي، لكن في الواقع انّ وجوه هذا النظام لا تزال موجودة في الكيان الصهيوني والذي تجاوز في ممارساته النظام العنصري الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا لناحية تصفية وجود الشعب الفلسطيني عبر المشاريع الاستيطانية وقرارات الضمّ. وإذا كان البعض الآخر يحاول ان ينفي صفة دولة الأبارتهايد عن الكيان الصهيوني والاكتفاء باعتباره دولة احتلال حتى الآن، فإنّ ذلك يوجب علينا التأكيد أنّ تمرير قرارات الضمّ كجزء من صفقة القرن سيحوّل حتماً الكيان الغاصب من دولة احتلال الى دولة أبارتهايد. ذلك انّ نجاح عملية الضمّ سوف يعني عدم إعطاء الفلسطينيين أيّ حقوق مدنية وسياسية، وسيتكرّس نظام الأبارتهايد حكماً بمجرد وجود مجموعتين مختلفتين على أرض واحدة وتخضع كلّ منها لمنظومة قانونية خاصة تتسم بالتمييز العنصري، بحيث يخضع يهود المستوطنات للقانون «الإسرائيلي» في حين يخضع الشعب الفلسطيني للحكم العسكري مضافاً إليه جملة من السياسات والممارسات العنصرية كإقامة الجدران ومصادرة الأراضي وهدم المنازل والطرد الجماعي للفلسطينيين…
انّ السعي الصهيوني لتلطيف مصطلح «الضمّ» عبر استخدام مصطلحات مخففة ومقبولة في الديمقراطيات الغربية كـ «بسط السيادة» و «تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة»، يهدف بشكل أساسي الى التعمية عن عملية الضمّ لأن هذا المصطلح يُعتبر جريمة ضدّ الإنسانية القانون الدولي الإنساني ًوميثاق روما. فالنتائج المترتبة على عملية الضمّ، وأبرزها الفصل العنصري، تشكل جريمة معاقب عليها وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٣٠٦٨ الصادر في ٣٠ تشرين الثاني ١٩٧٣، والذي يُعتبر أنّ الفصل العنصري وما يماثله من ممارسات عزل وتمييز عنصريين، جريمة ضدّ الإنسانية وتشكل بالتالي تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وهو ما تشير إليه أيضاً الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري.
انطلاقاً مما تقدّم يمكننا فهم المعارضة الدولية لقرار الضمّ، حيث رفضت معظم الدول الديمقراطية لا سيّما الأوروبية منها قرار الضمّ باعتباره يشكل إحراجاً سياسياً وأخلاقياً لها، ومن الممكن وضع التردّد الأميركي وانقسام الرأي ضمن الإدارة الأميركية تجاه هذه المسألة في السياق نفسه. لذلك يسعى الكيان الصهيوني جاهداً لتطبيق صفقة القرن محاولاً تفادي وصفه بدولة أبارتهايد، الأمر الذي يتطلب جهداً كبيراً من الأكاديميين والباحثين والإعلام الصادق لكشف هذه الحقائق ووضع حدّ لترويج هذا الكيان لنفسه بأنه واحة للديمقراطية في المنطقة.
انّ إصرار سلطات الكيان الصهيوني على المضيّ قُدماً بمشروع الضمّ سيعطي دفعاً جديداً للمقاومة في فلسطين وسيشكل عبئاً دولياً سيُضاف إليه العبء الاجتماعي للفلسطينيين والضغط الأمني لحماية الإسرائيليين، وسيضع الدول العربية الزاحفة للتطبيع في موقف محرج مع شعوبها ومحيطها.
وأخيراً لا بدّ من التأكيد على أنّ إفشال هذا المخطط لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال المقاومة بكافة أشكالها، وكما شكّل اشتداد الحكم العسكري على الفلسطينيين فرصة لتصاعد وتيرة المقاومة ضدّ الاحتلال، فإنّ البدء بعملية الضمّ ستشكل فرصة جديدة لتوحيد جهود المقاومة الفلسطينية وتصاعد وتيرتها في هذه المرحلة الدقيقة والتاريخية من حياة الشعب الفلسطيني، لا سيّما إذا تمكّن هذا الشعب من حشد الدعم الدولي لصالح قضيته المحقة بمواجهة دولة الأبارتهايد.
*أمين عام الجمعية العربية للعلوم السياسية، أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية