لا شكّ أن الإنفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من آب خلّف الكثير من الاضرار والضحايا وترك تداعيات على العاصمة بيروت وعلى أهلها فحتى بعد مرور قرابة ثلاثة أشهر لا تزال هذه المدينة تشبه "مدينة الاشباح"، حيث ينتظر سكانها وأهالي الضحايا معرفة "الحقيقة" ومحاسبة المرتكبين ليرقد "شهداؤهم" بسلام تحت التراب...
ولكن وللأسف الأشهر تمرّ دون تبيان أي شيء يبشّر بالأمل بكشف ما حصل ومحاسبة "المجرمين"، ويوم أُحيلت القضية الى المجلس العدلي ظنّ كثيرون أنها لن تسلك مسلك بقية القضايا التي تموت بمرور الزمن، وأهالي شهداء فوج الإطفاء، أقرباء الرائد في أمن الدولة جوزيف النداف وغيرهم يصولون ويجولون مطالبين بالوصول الى الحقيقة.
في الخامس والعشرين من تشرين الثاني وجّه المحقّق العدلي فادي صوان رسالة الى مجلس النواب عبر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، طالباً اتخاذ ما يراه مناسباً بشأن مسؤولية بعض الوزراء عن إهمال ساهم في انفجار المرفأ، ولفت في الرسالة إلى أن التحقيقات التي أجراها مع وزراء حاليين وسابقين كشفت عن شبهات حول مسؤولية الوزراء وتقصيرهم. هذه الرسالة، وبحسب مصادر مطلعة أثارت غضب أهالي شهداء مرفأ بيروت وتحديدا فوج الاطفاء الذين وعدهم صوان بعدّة إجتماعات بأن كلّ فرد له علاقة بالملف سواء كان رئيس حكومة أو وزير سوف يقوم بالادعاء عليه، واعتبروا أن مجرّد إرسال رسالة كهذه هو فعلاً تهرّب من المسؤولية كونه يستطيع هو الإدعاء على المسؤولين.
تشير المصادر الى أن "القاضي صوان وخلال إحدى الجلسات التي تلت تقديم رسالته الى مجلس النواب، أكد أنه وفي مضمون الرسالة قدّم خمسة عشر إسماً وهم رؤسات حكومات، وزراء أشغال، وزراء مالية وطلب ملاحقتهم بموجب مواد معيّنة لكن مجلس النواب رفض الطلب، لا بل أكثر، فإن رئيس مجلس النواب لم يلجأ الى وضع الرسالة والطلب على جدول الأعمال".
وتضيف المصادر: "صوان أكد أنه بعد أن يرفع تقريره ويعلن إنتهاء التحقيق وفي حال بقي مجلس النواب على قراره بعدم فتح القضية، عندها يستطيع المجلس العدلي أن يستدعي المسؤولين المذكورين في مضمون الرسالة".
تذهب المصادر أبعد من ذلك وتحديداً الى التقرير الفرنسي الذي جاءت الإجابة فيه على الشقّ التقني فقط أي حجم المواد المتفجّرة، مضيفة: "التقرير الذي استلمه صوان لم يتضمن كيف إنفجرت تلك المواد وكيف بدأ الحريق تحديداً"، مشددة أيضاً على أن "الفرنسيين أخذوا عيّنة من التربة وينتظر صوان نتائج فحوصات DNA وعبرها سيظهر إذا كان ما حصل ناتجاً عن إنفجار صاروخي أو غيره".
في تلك الجلسة تطرق القاضي صوان الى كثير من الأمور ومنها توقيف الرائد النداف والغاء زيارة رئيس الحكومة السابق حسان دياب الى المرفأ. وهنا تلفت المصادر الى أن "اللواء محمود الاسمر والرائد محمد عبد الله هما من نصحا دياب بإلغاء زيارته الى المرفأ متذرعين بأن هذه المواد هي مجرّد مواد كيميائية وهي موجودة في المرفأ منذ العام 2013". وتضيف المصادر: "عندما سأل أحد أهالي الضحايا صوان على ماذا استند الاسمر وعبد الله للقول بأن هذه المواد كيميائية كان الجواب "على تقرير أمن الدولة"، وهنا تسأل المصادر "إذا تم الاستناد الى تقرير أمن الدولة الذي يعتبر ان النيترات خطيرة جداً، فلماذا تم توقيف النداف واليوم محمود الاسمر والرائد عبدالله حرّين"؟.
في المحصّلة الأشهر تمرّ ولا جديد في القضية، فرسالة القاضي صوان وجواب مجلس النواب عليها واضحين بأنه "حتى الساعة لا قرار بمحاسبة المرتكبين الحقيقيين من وزراء ورؤساء حكومات وغيرهم"، ليبقى القول إن "الرائد جوزيف النداف الذي قام بواجباته كان "كبش المحرقة" في هذه القضيّة"... فماذا ينتظر المعنيون ليعلنوا بأن "جريمة مرفأ بيروت ستشبه بقية القضايا التي لن نصل فيها الى الحقيقة وأن الحمايات السياسية مستمرة على المرتكبين؟ ووحدهم الأبرياء يدفعون الثمن!.