وصلت المنطقة إلى مرحلة اللاعودة. إما إنفجار يعطي العالم ملامح جديدة، وإما تسوية تعيد خلط الأوراق فيها. لكن الأكيد، أن ما يحصل اليوم، سينتج عنه "مستجدّات" على كافة الصعد. وعلى أنغام هذه التغيرات، ترقص إيران على حافة الهاوية.
تحاول الجمهورية الاسلامية الصمود في وجه حملة الضغط الأقصى الأميركية، التي تضاعفت بعد خسارة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية. وعلى حدودها الشمالية، إتفاق بين أرمينيا وأذربيجان، لم تكن فيه طرفاً، رغم محاولاتها العديدة وجولات مستشار وزير الخارجية عباس عراقتشي لطرح أفكار طهران في هذه الأزمة.
في محيطها، تغرق طهران في منطقة، لم تعد فيها إسرائيل لوحدها الخطر، إذ تحاول بعض الدول العربية، تطبيع علاقتها مع تل أبيب، لحماية نفسها، حسب زعمها، من التهديد الإيراني. ومع هذا التطبيع، باتت "إسرائيل" تطوّق إيران من معظم حدودها.
في بيتها الداخلي، تخبّط مع اقتراب الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران المقبل. يتصارع المتشددون والإصلاحيون اليوم في إيران، رغم دعوات المرشد الأعلى علي خامنئي للابتعاد عن الإهانات المتبادلة. الإصلاحيون يعتبرون أن الوضع الإقتصادي المهترئ سببه العقوبات الأميركية، وبالتالي لا حل سوى بالعودة للمحادثات مع أميركا خصوصاً بعد وصول جو بادين إلى البيت الأبيض. يرفض المتشددون هذا التبرير، مشددين على أن سبب الوضع الحالي هو الرئيس حسن روحاني، المدعوم من الإصلاحيين في الإنتخابات الماضية، وسوء إدارته في كافة المجالات.
لم يكن ينقص إيران في هذا الوضع الصعب، إلا التعرّض لعملية عسكرية من داخل أراضيها، وهذا ما حصل، بعد اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده. اغتيال وجّهت أصبع الاتهام فيه إلى الموساد الإسرائيلي.
هي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها علماء نوويون في البلاد لحادثة اغتيال، فهذا النهج بدأته أميركا واسرائيل منذ سنوات في محاولة لكبح جهود إيران في التطور النووي. لكن ما يختلف في هذه العملية، هو الظروف التي أحاطت بها، خصوصاً بعد اجتماع ولي العهد في السعودية محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وترافقها مع أخبار صحيفة "نيويورك تايمز" عن دراسة دونالد ترامب لخطة عسكرية ضد إيران بهدف منع اي اتفاق مقبل بين طهران وبايدن.
أمام هذا الواقع وهذه المعطيات، تظهر خطورة الوضع الحالي في المنطقة، قبل تسلم بايدن الحكم في أميركا. فعلى إيران اتخاذ خطوات لعدة أسباب. فمن جهة، هي بحاجة لإعادة الردع مع اسرائيل وأميركا، بعد أن كسرت واشنطن ومعها تل أبيب كل الخطوط الحمر بعد اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني بداية العام، وصولاً إلى اغتيال فخري زاده، وما بين هذين الحدثين من ضربات متفرقة في سوريا.
من جهة أخرى، قد تكون طهران محرجة أمام الداخل الإيراني، خصوصاً مع أولئك "الولائيين" في البلاد، الذين تعتمد عليهم الجمهورية الإسلامية في كل الأحداث. وظهر ذلك في المظاهرات التي شهدتها عدة مؤسسات رسمية، بعد تجمع أعداد من المتشددين المطالبين بالثأر.
مع هذه الرغبة في الرد والثأر وإعادة التوازن، ظهر مصطلح جديد في طهران: "الصبر الإستراتيجي" على لسان المسؤولين الإيرانيين الذين اعتبروا ان اسرائيل تحاول جرّ بلدهم للحرب. قد يكون من السهل على ايران إطلاق صاروخ نحو اسرائيل، لكن من سيتمكن حينها من توقع ما ستؤول اليه الأمور؟ وهل ستتمكن طهران حينها، من الوصول إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة بعد وصول بايدن؟.
إن كل هذه المعطيات تؤثر على لبنان بشكل مباشر، فمصير المنطقة من مصير إيران، ولبنان لاعب أساسي في الاقليم، لذلك ازداد الحديث في الأيام الماضية عن "معركة عسكرية" قريبة بين لبنان وإسرائيل، الأمر الذي تدعمه المناورات الإسرائيلية المكثفة وحالة الطوارىء التي تعيشها "المقاومة"، فهل يودعنا العام الحالي بحرب؟.