يبدو أن الادارة الاميركية «الترامبية» التي تستعد للرحيل عن البيت الابيض الشهر المقبل، قد قررت ان تلعب «صولد عقوبات» على لبنان بحجة تضييق الخناق على «حزب الله».
والمعطيات التي تؤكد المنحى الأميركي هذا هو السلوك الجديد الذي بدأت تتعاطى فيه واشنطن مع لبنان، فهي في بادئ الامر فرضت حصاراً مالياً على لبنان من خلال الضغط على الدول المانحة وبعض الدول التي لطالما كانت حاضرة للمساعدة عند أية أزمة يقع فيها لبنان والطلب الى هذه الدول حجب المساعدات تحت حجج مختلفة، وقد انتقلت ادارة ترامب في لعبة العقوبات الى مرحلة ثانية من خلال فرضها «الفيتو» على تأليف الحكومة العتيدة حيث تشترط على الرئيس المكلف إبعاد «حزب الله» عن أية توليفة حكومية وإلا فإنها لن تتعامل مع هذه الحكومة لا بل إنها ستفرض المزيد من الضغوط عليها لتكبيلها.
وكأن واشنطن لم يكفها كل ذلك حيث تفيد المعلومات المستقاة من اكثر من مصدر عليم، بأن واشنطن من خلال دبلوماسيتها بعثت برسالة الى حاكم مصرف لبنان تحثه على القيام بخطوات من شأنها تفاقم الازمة النقدية والاجتماعية في سبيل إحداث فوضى داخلية وإرباك لبنان في هذه المرحلة، وقد توج الحراك الأميركي ضد لبنان من خلال تعليق المفاوضات بشأن ترسيم الحدود المائية بانتظار مجيء وسيطها الى لبنان حاملاً معه رزمة من الاقتراحات التي لا تصب في صالح لبنان الذي ازعج واشنطن بتصلبه بموقفه ورفضه التنازل عن قيد أنملة من حقوقه البرية والبحرية.
إحتدام الصراع الأميركي - الإيراني يرخي بظلال غير مريحة على الواقع اللبناني ويزيد أزماته تعقيداً
هذه الخطوات الاميركية السيئة تجاه لبنان من شأنها بالتأكيد فرملة عملية تأليف الحكومة من جهة، وزيادة في انكماش الدورة الاقتصادية والتجارية والمالية في لبنان من جهة أخرى، حيث سيغيب لبنان بالطبع عن المؤتمر الذي سيعقد في باريس لحشد الدعم والمساعدات الانسانية في لبنان، هذا المؤتمر الذي كان يتوجب أن تحضره حكومة لبنانية مكتملة الاوصاف للاستفادة منه قدر المستطاع، وهذا ما أزعج فرنسا التي كانت تسعى بشكل حثيث لتأليف حكومة تكون قادرة على محاكاة المطالب الدولية في ما خص الاصلاحات.
في موازاة ذلك، أين اصبحت عملية تأليف الحكومة؟ من خلال المعطيات السياسية يبدو ان شرايين التواصل بين اهل الحل والربط ما تزال مسدودة، ولم تبرز في الساعات الماضية أية مؤشرات من شأنها ان توحي بإمكانية إحداث خرق في جدار هذه الازمة، وذلك بفعل تمترس كل فريق وراء مواقفه إن بشأن تسمية الوزراء أو توزيع بعض الحقائب.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية عليمة ان استمرار الجفاء الموجود بين قصر بعبدا و«بيت الوسط» من شأنه أن يبقي الوضع الحكومي يدور في الحلقة المفرغة، على الرغم مما يقال بأن التوليفة الحكومية باتت جاهزة في جيب الرئيس المكلف الذي ينتظر الفرصة السانحة لوضعها بين يدي شريكه في التأليف أي رئيس الجمهورية لاتخاذ القرار، علماً بأن بعض المعلومات تؤكد بأن هذه التوليفة مؤلفة من ثمانية عشر وزيراً، فيما الرئيس عون يصُر على أن تكون عشرينية، علماً أن العامل الداخلي ليس وحده من يقف حجر عثرة أمام ولادة الحكومة، فالعامل الخارجي ربما يكون اكثر تأثيراً في هذا الاستحقاق وهو ما يعني ان هناك عدة مراحل يجب ان تقطع في لبنان وخارجه قبل ان يُقال بأن الضوء الأخضر قد أعطي للذهاب بتأليف حكومة جديدة في لبنان.
ولا تخفي المصادر استمرار وجود حالة من الجفاء بين الرئيسين عون والحريري، وهذا المناخ غير المريح وحده كفيل باستمرار عملية التأليف في عنق الزجاجة ناهيك عن العوامل الأخرى المعرقلة والتي لا تقل أهمية عن الصورة السوداوية التي تطبع العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وهو ما يعني اننا مستمرون في مشاهدة الكباش السياسي على خط النار، وهذا الكباش ربما يمتد الى بداية العام الطالع، ما لم تطرأ تطورات ما تحتم على القوى السياسية العودة الى مبدأ تبادل التنازلات التي على ما يبدو تبقى الطريق الأفضل لبلوغ الحلول للازمات الموجودة وفي مقدمها أزمة التأليف.
وفي تقدير هذه المصادر أن ما برز في الآونة الاخيرة من احتدام في حدة الصراع الأميركي - الايراني وارتفاع منسوب التوتر بين البلدين من شأنه أن يرخي بظلال غير مريحة على الواقع اللبناني فتزيد من أزماته، وتعيق عملية التأليف التي باتت حكماً معلقة على حبل التطورات المنتظرة في المنطقة في غضون الشهرين المقبلين، والتي يأتي في مقدمها ما سيجري في البيت الابيض مع رحيل الرئيس ترامب الذي يغادر وعينه على ايران وثروات الشرق الاوسط من جهة، وحفظ أمن اسرائيل من جهة ثانية، وهو الذي اعطى تل أبيب ما لم يعطه أي رئيس أميركي منذ قيام هذا الكيان في فلسطين المحتلة.