إنشغل العالمُ بعناوين صحّية(فايروس كورونا) وسياسية(الإنتخابات الأميركية)، لكن الإقليم يشهد مخاطر واسعة تقوده إلى مزيد من الخراب. لا يتعلقُ الخطر فقط بوجود المتطرّفين الإسلاميين الذين يختبئ معظمهم حالياً في "ملاذات آمنة" على مساحات واسعة في الإقليم، وهم يشكّلون خطراً مستداماً، يشتدّ أو يتراجع موسمياً، ولا بوجود مخطط للتطبيع العربي مع إسرائيل. بل يُمكن الإستناد إلى مشروع سياسي تركي يقوده رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، الذي يوزّع خطاباته على قياس شعوب المنطقة: طوراني داخل تركيا، إسلامي في المنطقة، وتسووي مع إسرائيل. وعلى هذا الأساس، يحاول أردوغان منذ عام 2011 أن يوظّف الأحداث في الإقليم التي حلّت في إطار "الربيع العربي" لصالح أنقره. ومن هنا يسعى الأتراك طيلة تلك السنوات الى فرض تقسيم في سوريا يُعطي تركيا الشمال السوري. هذا ما يطرحه الأتراك علناً الآن، تحت عنوان حماية النازحين السوريين.
كان حاول أردوغان ضم مناطق ساحلية سورية الى لواء الإسكندرون عبر دفع المجموعات المتطرفة الى احتلال مناطق في ريف اللاذقية في الأعوام السابقة. يومها، استطاع السوريون بمؤازرة حلفائهم، وخصوصاً الروس، أن يمنعوا تنفيذ المشروع التركي الذي ثبّت خطته في إدلب، بعدما سمح اولاً أن يدخل اليها إرهابيون أتوا عبر أراضيه من كل دول العالم، ثم منع اقتراب الجيش السوري منها، لتُصبح مركزاً لمجموعات مسلحة في خدمة المشروع التركي التقسيمي في سوريا.
والآن، رغم طبيعة التواصل التركي-الروسي، وحُسن العلاقات الإيرانية-التركية، فإن أردوغان يصرّ على فرض إقتطاع مساحات مهمة من شمال سوريا، تتميّز بخصوبة الأراضي وقوّة الإنتاج الزراعي. لكن هدف أردوغان ايضاً هو نقل النازحين السوريين الى تلك المساحة وإستخدامهم جيشاً ينفّذ أوامره، على طريقة السلاطين العثمانيين.
لا تقتصر وقائع التعدي التركي على سوريا عند هذا العنوان، لا بل تطال ملفات أخرى في العراق أيضاً: لماذا لا تُثار مسألة سرقة الأتراك للمياه؟ كانت أضاءت "النشرة" منذ يومين على موضوع مهم بشأن "شفط المياه" السورية والعراقية الى تركيا. لذا ايضاً، لا تريد أنقره حلولاً في سوريا ولا العراق، كي لا يُتاح للبلدين المذكورين التفرّغ للمطالبة بكف التعديات التركية على ثروات وسيادة العراق وسوريا، مائياً ونفطياً وزراعياً.
أين الأمم المتحدة؟ لا بل أين الجامعة العربية التي تتفرّج على هزلية المشهد الإقليمي من دون أي قدرة لها على التحرّك؟ ان المخاطر التركية تهدد الإقليم بسيول جارفة في حال تهدّمت السدود غير الملائمة للطبيعة في ظل وجود معطيات جيولوجية زلزالية. فهل يريد أردوغان غمر مناطق سورية وعراقية وخليجية بالمياه لتحقيق تغييرات جغرافية بعد زوال العوائق الديمغرافية من أمام مشروعه؟.
كلها اسئلة باتت تُطرح لنقل الهواجس الشعبية العربية، في ظل عجز رسمي، وإنشغال إقليمي، وتواطؤ دولي.
أين نحن في لبنان من وجود تلك المخاطر؟.
لا تنحصر مشاكل اللبنانيين بأزمات إقتصادية-مالية صارت تحرم اللبنانيين من أولويات المعيشة، وخصوصاً في حال تم رفع الدعم المالي عن السلع، أو لو سحب المصرف المركزي من إحتياطه الإلزامي لزوم الدعم المذكور. بل يمكن الجزم أن اي تقسيم في سوريا تنفيذا لرغبات تركية، سيقود لبنان ايضاً إلى مطالب تقسيمية: ماذا لو أعيد طرح مطلب المتطرفين بقيام دولة إسلامية شمالاً؟.
إن الخلافات والعجز العربي، وحصر عواصم العرب اهتماماتهم بكياناتهم، أو التفرج على التمدّد التركي سيقود الإقليم الى مزيد من الفوضى، خصوصاً اذا أكمل أردوغان مشروعه التوسعي اسلامياً استحضاراً للتجربة العثمانية. إن سيناريو ذاك الخطر بات أوضح. لكن الإستدراك لإجهاض المشروع لا يزال ممكناً.