بعد أن كان يُفترض ببعض الضبّاط الحضور إلى جلسة المحاكمة المحددة في 14 الجاري في قضية الفساد في الكلية الحربية، فجّرت النيابة العامة التمييزية وقاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة القاضي شربل أبو سمرا مفاجأة من العيار الثقيل، عندما ادّعت على ثمانية ضباط قادة بموجب قانون الإثراء غير المشروع، هم قائد الجيش السابق جان قهوجي، ومدير مكتبه العميد محمد الحسيني، ومديرا المخابرات السابقَين كميل ضاهر وإدمون فاضل، ورئيس فرع مخابرات بيروت السابق العميد جورج خميس، ورئيس فرع مخابرات الشمال العميد عامر الحسن، واللواء عبد الرحمن شحيتلي، والرائد المتقاعد في الأمن العام أحمد الجمل.
بعد إقرار قانون الإثراء غير المشروع في 30 أيلول الماضي كانت التوقّعات أن ينام القانون إلى جانب كل القوانين التي سبقته والتي تهدف لمحاربة الفساد، ولكن النيابة العامة التمييزية قرّرت التحرّك، وفق القانون الجديد.
إن قانون الإثراء غير المشروع الذي أقرّ في 30 أيلول لم يكن الأول من نوعه، في لبنان مثل هذا القانون منذ العام 1953، عندما وضع المشترع اللبناني قانون الإثراء غير المشروع الصادر بالمرسوم الاشتراعي الرقم 38 بتاريخ 18 شباط 1953، ومن ثمّ استبدل القانون، بقانون آخر حمل الرقم 154/99 وصدر بتاريخ 27/12/1999. كما انضم لبنان بموجب القانون الرقم 33/2008 الى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (31/10/2003) التي نصت في المادة 20 منها على مكافحة الإثراء غير المشروع بحيث تنظر كل دولة طرف، وفق دستورها والمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمد موظف في القطاع العام لإثراء غير مشروع، أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياساً إلى دخله المشروع.
ولكن لم يُستعمل القانون من قبل لاتهام أحد، وكأنّ الثروات التي نراها لدى موظفين عاديين وُجدت في حدائقهم تحت التراب، ولم يكن يتجرأ أحد على سؤال أيّ موظف "من أين لك هذا"، مع العلم أنّ القانون السابق الذي كان معمولاً به، كان يحدد بمادته الـ8 وما يليها من القانون الرقم 154/99 أصول الملاحقة والتحقيق والمحاكمة والحكم في قضايا الاثراء غير المشروع، حيث تنص على "إلا أنه وخلافاً لكل نص، لا تحول دون الملاحقة الجزائية الاذونات أو التراخيص المسبقة الملحوظة في القوانين مع مراعاة أحكام الدستور، خصوصًا لجهة ضرورة رفع الحصانات وطلب الإذنونات أو التراخيص المسبقة وفق الأصول الدستورية والقانونية".
كان القانون يحمي النافذين، لذلك لم نر سابقاً إدعاءً على شخصيات بهذا الحجم كما نرى اليوم، الأمر الذي نتمنى أن يستمر ويتم سؤال كل موظف ثريّ من أين لك هذا لأن الوظيفة العامة، سواء كانت نيابة أو وزارة أو في أي موقع آخر هي لخدمة الناس لا سرقتهم.
في قانون الإثراء غير المشروع الجديد مادة أساسية هي المادة 11، وهي تمنع الربط بين جرم الإثراء غير المشروع والحصانات المحدّدة في المادة 70 من الدستور، ما يعني أن المجلس النيابي في 30 أيلول حقّق إنجازاً عندما وافق بالأغلبية على أن يكون الوزراء والنواب والرؤساء، أسوة بالموظفين والقضاة، مشمولين بأحكام القانون.
ورغم ما أثارته هذه المادة من لغط وتفسيرات متعدّدة، يؤكّد خبراء الدستور أنها لا تتضمّن أيّ مخالفة دستوريّة لأنها تنصّ على انّ جريمة الاثراء غير المشروع هي جريمة عادية يُحاكم المتهم بها امام القضاء العدلي، والمادة 70 من الدستور تقول بأن "مجلس النواب يمكن ان يتهم رئيس الحكومة او الوزير بالإخلال بالواجبات الوظيفية"، والامرين مختلفين.
لم يعد لدى القضاء "حجّة" الحصانات والحمايات، وبالتالي أصبح لزاماً على كل قاضٍ في موقع مختصّ أن يبادر لاستخدام هذا القانون لمحاسبة السارقين وتبرئة المتّهمين والمشبوهين في حال كانوا أبرياء، والأهم إعادة الأموال المسروقة للشعب اللبناني.