على الرغم من تجمع المؤشرات السلبية على كافة المستويات، ليس هناك، حتى الآن، ما يوحي بأن المسؤوليين اللبنانيين في وارد التعامل مع الواقع بالشكل المطلوب، بل على العكس من ذلك يحترفون إضاعة الوقت وتبادل الإتهامات بين بعضهم البعض، حتى ولو كانت من النوع الذي قد يقود إلى توتير الأوضاع الأمنيّة، أو إستحضار سجالات لا فائدة منها كما حصل عند فتح النّقاش حول قانون الإنتخابات النّيابية.
قد يكون من المستغرب أن تصدر، بشكل شبه يومي، تحذيرات دوليّة من الواقع الّذي تذهب إليه البلاد، بالتزامن مع الدعوات إلى تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، في حين تبقى الأمور في لبنان على حالها، لا سيّما على المستوى الحكومي، نظراً إلى أن هناك من هو راغب في إنتظار تسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن السلطة، بعد أن كان ينتظر الإنتهاء من إستحقاق الإنتخابات، في مؤشّر على إستمرار الرهان على التطورات الإقليميّة والدوليّة.
في هذا السياق، برزت، في الاسبوع الحالي، 3 مؤشرات سلبيّة، كل واحد منها كان من المفترض منها أن يدفع المسؤولين اللبنانيين إلى التحرك، الأول كان ما أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن أن المصرف المركزي غير قادر على الإستمرار في دعم السلع الأساسية أكثر من شهرين، أما الثّاني فهو ما صدر عن البنك الدولي، لناحية توقّعه أن يزداد مستوى الفقر ليتجاوز عدد الفقراء نصف عدد سكان البلاد بحلول عام 2021.
أما المؤشر الثالث، فهو ما صدر عن مؤتمر باريس لمساعدة الشعب اللبناني، بحسب ما أعلنت السفارة الفرنسيّة في بيروت، حيث أشار المشاركون إلى تدهور جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية، بالإضافة إلى إرتفاع معدلات الفقر من 28% إلى 55% خلال فترة 12 شهراً، ما دفع العديد من اللبنانيين إلى الهجرة.
المؤشّرات الثالثة، توحي بأنّ البلاد ستكون على موعد، خلال الأشهر القليلة المقبلة، مع أزمة من العيار الثقيل، تتطلب تضافر جميع الجهود للعمل على الحد منها، طالما أن الجميع بات يدرك أنّ معالجتها لن تكون بالأمر السهل، حيث لن يكون بمقدار الكثير من اللبنانيين الإستمرار في سياسة الإحتيال على الواقع الإقتصادي الذي يعانون منه.
في المقابل، ينبغي التوقف عند كيفية تعامل القوى السياسية مع هذا الواقع، حيث تعمل على جهة رمي كرة النار باتجاه الأخرى من دون تقديم أيّ حلّ عملي، كما حصل، على سبيل المثال، مع ملفّ التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، حيث عمد مجلس النواب إلى إصدار توصية لا قيمة لها بعد أن كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد توجّه برسالة إليه، بدل أن يعمل إلى إصدار قانون واضح يعالج المشكلة الأساسية.
أما بالنسبة إلى مسألة الدعم والاحتياط الإلزامي، فإنّ جلسة اللجان النيابية المشتركة الماضية، أكّدت أنّ القوى السياسية ليست في وارد العمل على إيجاد الحلول اللازمة، نظراً إلى أن هذا الأمر لن يكون مفيداً لها على المستوى الشعبي، ما دفعها إلى رمي المسؤولية على حكومة تصريف الأعمال، التي سبق أن تمّ التخلي عنها من قبل غالبيّة القوى التي كانت داعمة لها، بإنتظار المشروع الذي من المفترض أن تعود به الاسبوع المقبل.
في ما يتعلق بالملف الأهم، أيّ تشكيل الحكومة العتيدة، بات من الواضح أن المعنيين يريدون تمرير الوقت عبر تبادل الإتهامات بالتعطيل، بإنتظار تسلّم إدارة بايدن السلطة في الولايات المتحدة، الأمر الذي من المفترض أن يحصل بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان الشهر الحالي، ما يؤكّد عجزهم عن القيام بأيّ خطّة عمليّة، خصوصاً أنّ بعضهم بات مهدداً بالعقوبات الأميركية من جانب إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب.
في المحصّلة، يمكن الجزم بأنّ لبنان أمام طبقة سيّاسية عاجزة لا تملك خيار القيام بأيّ شيء لتجنّب الإنهيار الشامل على المستويات الإجتماعيّة والماليّة والإقتصاديّة، حيث تفضل إنتظار ما قد يأتي من الخارج من مؤشرات في المرحلة المقبلة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا لو فشل ماكرون في تأمين الأرضية اللازمة لإنجاح مبادرته، أو لم تكن الإدارة الأميركية الجديدة في وارد تبديل سياساتها تجاه لبنان؟!.