منذ عام تقريباً تعاظمت أزمة الدولار في لبنان، وبدأت الحكومة مع المعنيين بالشأن المالي البحث عن الحلول للخروج من الأزمة، ولكن دون جدوى، فاستمر الإنهيار، واستنزاف ما تبقّى من أموال بالعملات الصعبة، حتى وصلنا اليوم على مشارف رفع الدعم عن المواد الأساسية التي يحتاجها اللبناني للإستمرار، فهل يكون الحلّ بترشيد الدعم كما يدّعون؟.
ترشيد الدعم يعني أنّ الأموال ستخصّص لدعم سلع محدّدة ضمن القطاعات التي كانت تنال مساعدة المصرف المركزي، ما يعني أنّه لن يستمر على المحروقات إنما سيُخصص لمادّة فقط أو يُخصص بنسبة مئوية من كل مادة، والدعم لن يستمر لكل الأدوية، ولكن حتى اليوم لم تنضج بعض الخطّة التي سيتمّالترشيد على أساسها.
يشير الخبير الإقتصادي وليد بو سليمان إلى أنّسياسة الترشيد كان يجب أن تنطلق منذ أشهر طويلة، ولكن يكرّس المعنون بشكل مستمر سياسة الهروب إلى الأمام، وينتظرون إنفجار المشكلة لفرض خيارات معيّنة تحت شعار أن "لا حل آخر في الوقت الحالي"، مشددا في حديث لـ"النشرة" على أنّ الآوان قد فات.
ويضيف: "حاكم المصرف المركزي رياض سلامة يقول أن المصرف يمتلك 500 مليون دولار للدعم قبل أن يصل إلى الاحتياطي الإلزامي، وهذا الرقم يكفي لشهر لو استمر الدعم على ما هو عليه، بينما إذا تم ترشيده فسيأخذوقتًاأكثر ولكنّه ليس بطويل، ولكن ربما لن يصلوا إلى مرحلة الترشيد لأنهم حتى اليوم لم يتّفقوا على الآليّة والتفاصيل، وربما ينتهي مفعول ما تبقى من أموال قبل اتّفاقهم، مشيراً إلى أنّ الحل أصلا ليس بالترشيد لأن هذا يعني تأجيل المشكلة فقط لا حلّها، وإذا لم نصل إلى حلّ سياسي وتشكيل حكومة قادرة والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فبكل تأكيد سنصل إلى أيّام سيّئة لأنّنا نعرّض الأمن الغذائي، والصحّي والإجتماعي لأخطار كبيرة.
من الحلول التي تبتدعها الدولة ما يُدمي القلب، فمثلاً هناك اقتراح بوقف الدعم عن الطحين، ما عدا ما يتعلّق بالخبز "العربي"، ولكن ماذا عن طحين أفران المناقيش، فهل نتخيّل مثلا أن يصبح سعر منقوشة الصعتر 6000 ليرة لبنانية؟، وماذا عن غياب رقابة الدولة عن كل القطاعات، فمن يضمن أن يستخدم الطحين المدعوم للخبز العربي فقط.
كذلك من الإقتراحات الجهنميّة زيادة تقنين الكهرباء لتخفيض فاتورة إستيراد الفيول والمشتقات النفطيّة، وكأنّ الكهرباء أصبحت أمراً ثانوياً في حياة اللبنانيين، بينما هي أساس الحياة والعمل والتعليم وهي أبسط حاجات البشر، كما أنّ زيادة التقنين يعني زيادة ساعات الإشتراك، ما يعني زيادة في الفاتورة الثانية، ويعني زيادة في استهلاك المولّدات للمازوت، ونحن جرّبنا مصير المازوت المدعوم.
أصبحت الأموال قاب قوسين أو أدنى من التبخّر، عندها نطرق باب الإحتياطي الإلزامي، وهنا يشير بو سليمان إلى أن هذا الإحتياطي هو قرار صادر من المصرف المركزي وليس قانوناً وبالتالي يمكن للمصرف استخدامه، ولكن هل يعني هذا الأمر أن الاموال ستعود إلى المصارف؟. ويضيف: "كل الدعم اليوم وفي الماضي وفي المستقبل جاء من المكلّف والمودع اللبناني، وبالتالي نحن ندعم من جيوبنا، ندعم أرباح التجار وأرباح المهرّبين".
كذبة جديدة يمرّرونها على اللبنانيين هي كذبة ترشيد الدعم، فكل هذه الخيارات قد تؤدّي إلى تمديد حياة الدعم ولكنّها بكل تأكيد إلى عدم شفاء الوطن، ووحدها السياسة الإيجابية والنوايا الصادقة وإرادة التغيير قادرون على إحداث الفرق، فهل من يجرؤ؟!.