هل يمكن القول ان ما فرّقته ايران جمعته اسرائيل؟ هذا هو واقع الحال بين الدول العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، اثر التحرك السريع الذي سجّل في الايام الماضية على خطّ المبادرة الى ايجاد الحلّ اللازم للأزمة الخليجيّة التي حاولت عزل قطر، انما وقوف الولايات المتحدة الاميركية مع الدولة الغنيّة مالياً منع احكام الطوق حولها، وغضّ النظر عن تعاونها الاقتصادي والمعيشي مع ايران وتركيا وغيرهما من الدول. ارتأت السعودية في حينه أنّ قطر باتت دولة "متمردة"، لذلك عمدت الى جمع الدول الخليجيّة الاخرى معها ومصر لفرض حصار عليها منذ عام 2017 بهدف اعادتها الى "الحظيرة" الخليجية، لكن تموضع واشنطن الى جانب الدوحة، واعتماد الكويت وسلطنة عمان سياسة النأي بالنفس، ساهما بشكل كبير في كسر هذا الحصار ومفاعيله، فاستمرت الامور على ما هي عليه دون أيّ تأثير عملي وفعلي على قطر.
اليوم، بدأت الامور تنحو نحو الحلّ، ولكن اللافت انّ هذه الخطوة تمّ اتخاذها بعد خطوة بالغة الاهمية تمثلت باتفاق تطبيع العلاقات بين البحرين والامارات العربيّة المتّحدة من جهة واسرائيل من جهة ثانية. صحيح ان السعودية لم توقّع على اتفاق مماثل بعد، انما كل المؤشرات تفيد بأنّها ستنضم الى قطار التوقيع بعد فترة ليست بطويلة. وما شجّع ويشجّع دول الخليج على الاتّفاق مع اسرائيل، لم يكن فقط الاغراءات الاميركيّة، بل ايضاً سياسة التّرهيب من ايران وقدراتها وامكاناتها في زعزعة الاستقرار في هذه الدول عبر "تحريك" الفئة الشيعية واللعب على الوتر الطائفي والمذهبي. ولكن السؤال المهمّ يدور حول ما اذا كان هذا الامر كافياً كي تتخلى قطر عن التعاون مع ايران بعد ان تحل الازمة الخليجية، وان تركب قطار الموقّعين مع اسرائيل. اساس المشكلة لا يزال قائماً، وهو ان قطر لا ترغب في البقاء تحت العباءة السعوديّة، والمثير للاهتمام اكثر في هذا المجال، هو انّ الامارات تسير في الإتّجاه نفسه ايضاً، فيما لا تزال البحرين تحافظ على العلاقة السليمة مع الشقيق الخليجي الاكبر، وتبقى الكويت وسلطنة عمان على النهج نفسه ناحية عدم العداء مع أيّ مكوّن خليجي من جهّة، او غير خليجي من جهة ثانية.
يتساءلالبعض عن الثمن الذي يجب ان تدفعه قطر لفكّ الحصار الخليجي، فيما الواقع يشير الى ان الثمن ليس ولن يكون عربياً، بل قد يكون اميركياً عبر التوقيع مع اسرائيل، وقطع العلاقات مع ايران. وفي مقابل هذا الرأي هناك من يتوقّف عند التغيير في النهج الاميركي الجديد مع تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن مسؤولياته بشكل رسمي في العشرين من الشهر المقبل، مع كل ما يحمله من افكار وطروحات جديدة للتواصل مع ايران لا يتوقع ان تكون بالقساوة والشدّة نفسها التي انتهجتها ادارة الرئيس الحالي دونالد ترامب. وبالتالي، قد لا تكون قطر مرغمة على العودة الى العباءة السعودية، وقد لا تكون ايضاً ملزمة بمعاداة ايران او قطع العلاقات معها، خصوصاً اذا ما اعيد احياء الاتفاق النووي رغم صعوبة وضعه حالياً، بحيث يكون الاتفاق مع الدول العربية جائزة ترضية لاسرائيل بدلاً من اعتماد القساوة على ايران ومعاداتها، بحيث تدخل اسرائيل الى هذه الدول ويبقى الحور الايراني فيها من خلال الطائفة الشيعية، انما من دون خطورة او تهديد.
وبذلك، قد يصح القول ان ما فرّقته إيران جمعته اسرائيل، بحيث يلتئم شمل الدول العربية مجدّداً انما بفكر جديد وبطريقة جديدة لتقسيم النفوذ، مع مقدار اوسع من الحرية للدول الخليجيّة خارج مساحة السعوديّة ليعرف الخليج بذلك وللمرّة الاولى ربما، لامركزية في التعامل مع الاحداث والمشاكل، وقد يتحوّل مجلس التعاون الخليجي الى نسخة مطابقة لجامعة الدول العربيّة.