بات من المسلَّم به بأن المجتمع الدولي لن يعطي لبنان قرشاً واحداً، ما لم يكن هناك حكومة تولد من رحم المبادرة الفرنسية وتكون قادرة على الولوج في عملية إصلاحية غير مسبوقة تعيد إلى الدولة هيبتها، وإلى الإدارة سمعتها الطيبة بعد ان نخر الفساد هيكلها من رأس الهرم إلى البواب.
هذه المسلّمة يدركها كل من يتعاطى الشأن السياسي، وبدلاً من التعامل معها بجدية والذهاب في اتجاه العمل على تسهيل ولادة الحكومة وبالتالي العمل على وضع حدّ لمكامن الفساد والهدر، يلهثون وراء المكاسب السياسية والطائفية من دون إعطاء أي اعتبار للتحذيرات التي تقول بأن لبنان اقترب كثيراً من مرحلة الارتطام بالقاع، وأن لا مجال بعد لأي إضاعة للوقت والمسايرة والترف السياسي، لأن ذلك سيضع لبنان في وضع يصعب فيه على أيٍّ كان انتشاله من أزماته.
ما من شك ان الزيارة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا على مدى ثلث ساعة فقط قد كسرت الجليد الذي غلف الواقع الحكومي على مدى ثلاثة أسابيع، غير ان الملامح التي طبعت وجه الحريري لحظة خروجه من مكتب رئيس الجمهورية رسمت علامات غير مريحة عمّا افضى إليه هذا الاجتماع السريع، وإن كان الرئيس الحريري قد ضرب موعداً للقاء آخر بعد ظهر اليوم لاستكمال النقاش، والحصول من رئيس الجمهورية على أجوبة رداً على أسئلة قد طرحها عليه إن في ما يتعلق بعدد الوزراء أو بتوزيع الحقائب، حيث تفيد المعلومات أن كل طرف ما زال يتمترس وراء موقفه، وهو ما يجعل عملية التأليف تراوح مكانها، وسط تنامي الشكوك في إمكان تحقيق أي خرق في جدار الأزمة في غضون ما تبقى من أيام في هذا العام.
تنامي الشكوك في ولادة الحكومة في ما تبقى من أيام لهذا العام
وما يُفاقم الوضع الحكومي تأزماً، ليست الخلافات الداخلية حول شكل الحكومة والحصص، بل إن العامل الخارجي يُعد أكثر تأثيراً على خط هذا المسار، حيث وكما هو معلوم فإن الإدارة الأميركية تضغط بشكل كبير في اتجاه إبعاد «حزب الله» عن أية توليفة حكومية، وهي أبلغت من يعنيهم الأمر إما مباشرة أو عبر القنوات الدبلوماسية بأنها ستفرض عقوبات غير مسبوقة على كل من سيخالف هذا التوجه، ناهيك عن الاتحاد الأوروبي الذي تبنى مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لجهة عدم القبول بأية حكومة من غير الاختصاصيين وأن العمل عكس ذلك سيؤدي بالاتحاد إلى التعامل مع أي حكومة من هذا النوع التعامل نفسه الذي يتم مع الحكومة الفلسطينية حيث لا مساعدات ولا من يحزنون.
وما يزيد الطين بلة لجهة التعامل الأميركي مع الملف الحكومي هو ما أوحى به السفير الأميركي السابق فريدريك هوف بأن وساطته بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قد فشلت، وهذا الأمر قد يزيد من تشدد الإدارة الأميركية في التعامل في ما خص الوضع اللبناني من كل جوانبه لا سيما الشأن الحكومي، وهو ما يجعل أمر التأليف عالقاً ربما للنصف الثاني من الشهر المقبل بين التصريف والتكليف إلا إذا حصلت تطورات ما ليست في الحسبان أدّت إلى تغيير جذري في المشهد السياسي الداخلي والتعاطي الخارجي حيال عملية تشكيل الحكومة.
وفي المعلومات أيضاً أن فرنسا التي أعربت في الآونة الأخيرة عن استيائها العارم مما تعتبره خذلان الطبقة السياسية للرئيس ايمانويل ماكرون في ما خص تأليف الحكومة والاصلاحات، قررت العودة إلى لعب دور المساعد لإنجاز الاستحقاق الحكومي قبل الزيارة الثالثة للرئيس ماكرون إلى لبنان في غضون أيام، غير ان هذا الدور ما زال مجهول النتائج لجهة إمكانية خلق المناخات الملائمة لولادة الحكومة، وقد تبلغت القيادات السياسية في لبنان أن صبر باريس بدأ بالنفاد، وأن زيارة ماكرون الى لبنان ربما تكون المحاولة الأخيرة لفرنسا في مسعاها لإيجاد مخرج لأزمة التأليف ومنه لمعالجة الوضعين الاقتصادي والنقدي.
وبحسب المعلومات فإن الرئيس عون ليس في وارد التراجع عن شرطه للتأليف إن لجهة وحدة المعايير وعدم تجاوز الكتلة المسيحية الكبرى في ما خص تسمية الوزراء المسيحيين، وفي حال تمّ العثور على حلول تؤدي الغرض وإن بأشكال أخرى فإن ولادة الحكومة ربما لا تستغرق أكثر من ساعة، هذا إذا تجاوزنا المطلب الأميركي بعد رحيل ترامب في ما خص مشاركة «حزب الله» فيها، حيث ان ما رشح من مؤشرات عن أجواء الرئيس الجديد للبيت الأبيض يفيد بأن الإدارة الأميركية في وارد إعادة النظر بمقاربة ترامب لملف الصراع مع إيران، إذ ان بايدن ربما يعود للإلتزام بالاتفاق النووي مع طهران وهذا من شأنه إن حصل أن يبدد ملفات كثيرة في المنطقة.