أطاح الشعب الفنزويلي ببرلمان خوان غوايدو بانتخابه برلماناً جديداً يعبّر عن إرادته.. محبطاً بذلك أحلام واشنطن في تغيير وجهة فنزويلا وإعادتها إلى حضنها التابع والخاضع لهيمنتها.. غير أنّ هذا النصر لم يكن مكتملاً وجاء ناقصاً لأنه لم يعكس بنظر المراقبين مشاركة الغالبية الشعبية في الانتخابات التي بلغت نسبة المشاركة فيها 31 بالمئة، وهي نسبة دون المستوى المعهود، ويعود ذلك إلى سببين…
السبب الأول، مقاطعة بعض الأحزاب اليمينية المرتبطة بواشنطن للانتخابات،
السبب الثاني، عدم رضا قسم من الناخبين عن أداء الحكومة في مواجهة الحصار الأميركي والمتعاونين معه في الداخل.
ومع ذلك فإنّ تحقيق هذا الإنجاز الانتخابي الكبير يشكل انتصاراً للديمقراطية الشعبية في بلاد بوليفار بعد شهر على انتصارها في بوليفيا التي انتصرت أيضاً لزعيمها ايفو موراليس، وأسقطت الانقلاب الأميركي ضدّ إرادة البوليفاريين.. بذلك تكون إدارة الاستعمار الأميركي في واشنطن تلقت صفعتين كبيرتين أحبطتا مخططاتها للإطاحة بالنظامين التقدّميين المستقلين اللذين رفضا الخضوع للهيمنة الاستعمارية، وقرّرا إدارة بلادهما واستغلال ثرواتهما بما يخدم شعبيهما بعيداً عن هيمنة واحتكار الشركات الأميركية التي امتصّت هذه الثروات لعقود من الزمن مخلفة الفقر والحرمان في بلاد القائد الثوري بوليفار…
انّ هذا النصر الكبير، الذي حققه الشعب الفنزويلي، بعد الشعب البوليفي، على قوى التبعية للمستعمر الأميركي في الداخل، يشكل في توقيته تطوّراً نوعياً يؤشر إلى الدلالات التالية:
الدلالة الأولى، فشل واخفاق سياسة الحصار والتجويع التي نفذتها واشنطن في إخضاع الشعب الفنزويلي ودفعه للانقلاب ضد حكم الحزب الاشتراكي برئاسة الرئيس نيكولاس مادورو، وتأييد القوى التابعة لواشنطن التي تريد إعادة فنزويلا إلى زمن الارتماء مجدّداً في أحضان التبعية للسياسات الأميركية.
الدلالة الثانية، سقوط الحرب الإعلامية الدعائية التي شنّتها واشنطن ووسائل الإعلام التابعة والمأجورة لشيطنة الرئيس مادورو والحكم الاشتراكي، حيث أظهر الشعب الفنزويلي وعياً كبيراً في مواجهة هذه الحرب الإعلامية التي أدّت إلى نتائج معاكسة عززت من التفاف الشعب حول رئيسه وهو ما تجسّد في صناديق الاقتراع.
الدلالة الثالثة، انتصار الديمقراطية الشعبية التي أرسى دعائمها الرئيس الأممي هوغو شافيز عبر انتهاج سياسات تقوم على التنمية والعدالة الاجتماعية مما حسّن الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لملايين الفنزويليين، قبل أن تسوء بسبب الحصار الأميركي الاقتصادي الإرهابي، فقد كان الفنزويليون يعيشون، في زمن التبعية للولايات المتحدة، في ظلّ حرمان وفقر وبؤس، نتيجة نهب ثروات البلاد، من نفط وذهب إلخ… من قبل الشركات الأميركية وطبقة رجال الأعمال من الرأسماليين الريعيين الذين يعملون في خدمة هذه الشركات.
الدلالة الرابعة، انتصار للدول التحررية في أميركا اللاتينية وإحباط لخطة الهجوم الأميركي المضاد الذي هدف من وراء محاولة الإطاحة بالنظامين التحرريّين، في فنزويلا وبوليفيا، إلى خلق تداعيات في كلّ أميركا اللاتينية تعيد الهيمنة الأميركية في كلّ الدول التي تنتهج سياسات مستقلة.
غير أنّ هذه الدلالات لا يجب أن تبعد التحالف الاشتراكي الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان عن إعطاء الأولوية لمهمة العمل سريعاً على سدّ الثغرات التي دفعت بقسم من الشعب الى العزوف عن المشاركة، إنْ لناحية العمل علي تعزيز السياسات التنموية لتأمين الاكتفاء الذاتي في احتياجات الشعب، وتوفير فرص العمل، وتحسين الأداء الخدماتي بما يعزز صمود الشعب في مواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية.. أو لناحية الانفتاح على التيارات السياسية المعارضة التي تقف ضدّ الضغوط والتهديدات الأميركية، والحزم في العمل على تطهير البلاد من الاختراقات الأميركية، لا سيما الأطراف والشخصيات التي ثبت تآمرها مع واشنطن ولعبت دور حصان طروادة الأميركي في الداخل الفنزويلي لتقويض الاستقرار وتأليب الرأي العام ضدّ حكم الرئيس مادورو للإطاحة به لمصلحة إقامة حكم تابع للسياسة الأميركية.. فالديمقراطية شيء، والتعامل مع المستعمر الأميركي شيء آخر، لهذا لا يجب السماح للمتعاملين مع الأجنبي ضدّ بلدهم بحرية العمل السياسي باسم الديمقراطية.