لم يصدّق رئيس الحكومة المستقيل تحت ضغط الحراك الشعبي والسياسي حسان دياب، ما سمعه منذ ايام قليلة وما قرأه من مواقف لشخصيات سياسية. اعتقد دياب لوهلة انه يعيش في حلم، وقد يكون اعتقد ان "بابا نويل" تقمص شخصية القاضي فادي صوان واهداه الهدية الغالية التي لطالما انتظرها منذ وصوله الى السراي الكبير. فجأة، وبين ليلة وضحاها، تحوّل دياب الى الشخصية السنّية الاولى في لبنان، وانهالت عليه الاتصالات والمواقف المتضامنة معه والتي تقف الى جانبه، حتى بات "تشي غيفارا" لبنان والقائد المتوّج للثورة السياسية، حتى مفتي الجمهورية الذي كان استقبله سابقاً من باب "رفع العتب"، اصبح الغطاء الرسمي لحمايته من زخات مطر القاضي صوان.
هل أخطأ القاضي صوان أم أصاب؟ هذا السؤال، على بساطته، لا يمكن ان يجد الجواب في بلد مثل لبنان، حيث الطائفية والمحسوبية هي القضاء الحقيقي وهي التي تحمل في طياتها البراءة والادانة. من هنا، لم تبرز اي ردود فعل قانونية او دستورية تؤيد او تعارض القرار الادعاء الصادر عن صوان، بل كانت الادانات له سياسية وطائفية فقط. حتى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط استغرب الامر، وسأل عما "عدا وبدى" بعد ان كان الجميع يطالب بلجنة تحقيق دولية في قضية انفجار المرفأ، وتحميل المسؤولية لمن يجب ان يتحملها اياً كان منصبه وطائفته. وبعد ان كشّرت الطائفية عن انيابها في هذه المسألة، نزلت الى الساحة "كتيبة الهجوم السياسي" التي اطلت برأسها لتستهدف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من محورين: محور مسؤوليته عن الانفجار، ومحور استهدافه كرئيس للجمهورية. في المحور الاول، وفيما لم تكن مقنعة "اللطشات" حول قيام عون بتجييش مجلس القضاء الاعلى لدفع صوان الى اصدار ادعائه بهذه الطريقة، خصوصاً وان تعيين صوان اتى بعد خلاف مع وزيرة العدل (المحسوبة على عون) ماري كلود نجم التي اقترحت اسمين آخرين قبل صوان لم يوافق عليهما المجلس، وقد اشاد جميع من يعارض عون بقرار مجلس القضاء الاعلى في حينه، ما يعني ان التراجع اليوم عن هذا الامر واعتبار صوان "مفروضاً" من قبل رئيس الجمهورية هو كلام لن يلاقي من يتلقفه بجدية. وكان الحديث عن وجوب تحميل عون مسؤولية ايضاً في قضية الانفجار لعلمه بموضوع خطورة المواد قبل حصول الكارثة، وهو امر قد يصلح للنقاش رغم الرد الصادر عن عون لجهة احالته الموضوع الى المراجع المختصة، ولكن يجب ايضاً ان يترافق ذلك (من باب الانصاف ايضاً) تحميل رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان، ورؤساء الحكومات الذين تسلموا مسؤولياتهم من العام 2013 حتى اليوم، ووزراء الاشغال العامة والنقل في تلك الحقبة، والمسؤولين عن المرفأ، ومسؤولي الاجهزة الامنية المعنية، والقضاة الذين تعاقبوا على درس هذا الملف. وبما ان هذا الامر من المستحيل ان يحصل في لبنان، فإن المشكلة تعود الى نقطة البداية التي لا يمكن معها الادعاء على شخص في موقع المسؤولية لانه، في حال حصل ذلك، سيكون بمثابة "حجر دومينو" يسقط معه كل من سبقه من مسؤولين.
وتبقى بالتالي الابواب مشرّعة على المحور الثاني، وهو استهداف رئيس الجمهورية في الموقع، وقد تؤتي هذه المسألة ثمارها، ليس من باب الحرص على شفافية التحقيقات وكشف المستور، وانما من باب فرض تسويات معيّنة. فعون او غيره لن يسقط في الشارع، وهذا قرار دولي قبل ان يكون محلياً، واثبتت التجربة على مر العقود الاخيرة من الزمن صحة هذه المعادلة، لذلك سيكون التعاطي عبر الضغط لتقليص نفوذ عون و"التيار الوطني الحر" في الحكومة المقبلة، عندها تستقيم الامور وتتراجع المطالب باستقالة رئيس الجمهورية او اطلاق اسهم التشكيك بقراراته ووقوفه خلف ادعاء صوان وغيرها من الملفات.
وفي عودة الى النقطة التي انطلقنا منها، سيصاب دياب بخيبة كبيرة بعد ان تنتهي هذه العاصفة، لانه سيجد نفسه وحيداً من جديد في الشارع السياسي، بعد ان ذاق طعم الالتفاف حوله واعتباره احد اركان الطائفة في الحياة السياسية، وينتهي موسم الاعياد باكراً بالنسبة اليه.