حدّد المُحقّق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوّان أيّام الإثنين والثلاثاء والأربعاء، مواعيد لإستجواب كل من رئيس حُكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر (ينتميان إلى كتلة رئيس مجلس النواب نبيه برّي النيابيّة) ويوسف فنيانوس (المحسوب على "تيّار المردة")، وذلك بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص". فهل سيتمّ هذا الأمر، وماذا سيحصل في حال عدم مُثول المُدعى عليهم، وما مصير مُجمل التحقيق عندها؟.
بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه وفي حين يُفترض أن ينتقل القاضي صوّان إلى السراي الحُكومي اليوم الإثنين لإستجواب رئيس الحُكومة المُستقيل، وفقًا لما ينصّ عليه قانون أصول المُحاكمات الجزائيّة، بعد إبلاغه بمضمون الإدعاء، يُفترض أيضًا أن يتمّ إستجواب الوزراء المُدعى عليهم في مكتب المُحقّق صوان في قصر العدل. وحتى لحظة إعداد هذا المقال، كانت المَعلومات تؤكّد أن لا موعد مُحدّد لحُضور القاضي صوّان إلى السراي، وأن لا إستعداد لأي وزير مُدعى عليه للذهاب إلى قصر العدل!.
وفي حين تمسّك رئيس حُكومة تصريف الأعمال بحصانة موقع رئاسة الحُكومة، وحتى بحصانته المذهبيّة، تمسّك الوزراء المُدعى عليهم بذريعة حصانتهم الوزاريّة والنيابيّة، وتحجّجوا بعدم التنسيق مع مجلس النوّاب وبعدم جواز مُحاكمتهم إلا أمام هيئة مُخصّصة لمُحاكمة كبار المسؤولين، وعدم جواز إستجوابهم قبل رفع الحصانة عنهم من قبل كل من مجلس النوّاب ونقابة المُحامين، من دون أن ننسى قيام جهات حزبيّة وسياسيّة ودينيّة بإطلاق مواقف رافضة للإدعاء على الشخصيّات المَحسوبة عليها. وإحتدم الخلاف الفقهي بين من يُؤيّد حقّ القاضي صوان بمُحاكمة هؤلاء، مُذكّرين بأنّ المُحقّق العدلي وجّه رسالة إلى مجلس النواب قبل نحو أسبوعين، مع تسجيل تمسّك مجلس القضاء الأعلى بصلاحيّة المُحقّق العدلي في الإدعاءات التي حصلت(1)، ومن يَعتبر في المُقابل أنّه يجب أن تتمّ المُحاكمة-خاصة إذا كانت تطال رئيس حكومة، أمام المجلس الأعلى لمُحاكمة الرؤساء، بحسب المادة 70 من الدُستور. وعلت أيضًا أصوات رفضت إقتصار الإدعاء على عدد محدود من الشخصيّات السياسيّة دون سواهم، على الرغم من أنّ ما ينطبق على هؤلاء ينطبق على باقي رؤساء الحُكومات السابقين، وكذلك على باقي وزراء المال والأشغال والنقل. وذهب البعض بعيدًا، إلى حد المُطالبة بمُساءلة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، حتى لو أنّ للرئيس حصانة قانونيّة لا يمكن تجاوزها من دون إتباع سلسلة من الإجراءات الخاصة، وحتى لو أنّ الرئيس قال إنه علم بموضوع نيترات الأمونيوم قبل نحو أسبوعين فقط من حُصول الكارثة(2) وأنه أعطى الأوامر المُتاحة له لمعالجتها بقدر ما تتيح له صلاحيّاته ذلك.
وبغضّ النظر عن الجدل القانوني الذي لم ينته فُصولاً بعد، يتمثّل السيناريو الأقلّ ضررًا بأن يُرسل المُدعى عليهم من يُمثّلهم على المُستوى القانوني إلى التحقيق، بحيث يُمكن أن يُقدّم المُحامون-في حال توكيلهم عن المُدعى عليهم، طلبات إستمهال أو أعذار غياب، لحفظ هيبة القضاء وماء وجه المُدعي العام، وهذا الأخير قادر من جهته على إرجاء جلسات الإستجواب إلى موعد آخر. أمّا في حال لم يحصل لا هذا السيناريو ولا ذاك، فالخيارات ستُصبح أكثر قساوة، حيث هناك من يعتبر أنّه في هذه الحال سيكون المُدعي العام أمام خيار من إثنين لحفظ هيبة القضاء وهيبته شخصيًا: فإمّا يُصدر مُذكّرات جلب في حال تخلّف المُدعى عليهم عن الحُضور من دون أي عُذر قانوني، أو يتنحّى عن الملفّ مُعلنًا صراحة عجزه عن مُواصلة التحقيقات بسبب التدخلات الكبيرة التي حصلت في عمل القضاء! وفي الحالين، الأمور لن تكون سهلة على الإطلاق في ما خصّ ملفّ التحقيق بانفجار الرابع من آب الماضي.
في الختام، الأمور لا تُبشّر بالخير، حيث أنّه بعد مُرور أكثر من أربعة أشهر على إنفجار مرفأ بيروت، ما زال التحقيق غير واضح المعالم، وما زالت التوقيفات مُقتصرة على بعض المُوظّفين والضُباط المَأمورين، ولا يبدو أنّ هناك أيّ بصيص أمل بتوقيف من يملك صلاحيّات إصدار الأوامر!.
(1) تمسّك مجلس القضاء الأعلى بصلاحية المُحقّق العدلي الإدعاء على رئيس الحكومة والوزراء من دون إمكان تذرّعهم بالحصانات المُتمتّعين بها، مُوضحًا أنّه أرسل كتابًا بتاريخ 24 تشرين الثاني الماضي إلى المجلس النيابي لإعلامه بوجود شُكوك لدى القضاء حول المُدعى عليهم.
(2) وصل تقرير مرفوع من قبل المديريّة العامة لأمن الدَولة إلى رئيس الجمهوريّة في 21 تمّوز، والإنفجار حصل في 4 آب.