بحسب تفكير الفيلسوف ارسطو العالم آلة متروكة لوحدها ولقدرها. لا علاقة لها بالهة السماء والارض. الالهة هناك صمّاء لا تسمع لا صلوات ولا اصوات الناس. الناس هنا مرميّون على الارض وهم متروكون لوحدهم يجابهون اقدارهم وكوارثهم ومصائبهم ولا علاقة لهم بالعناية الالهيّة لا بل هم في غربة عنهم.
اما افلاطون وقد كان يصعد من ظلمة وغربة الكهف الى لقاء شمس الحقائق وهو يصرخ حبا في كتابه "المائدة" Le Banquet يا علة العلل ارحمني.
عمانوئيل الهنا معنا
اما الهنا نحن المسيحيين فهو معنا وقد صار انسانا مثلنا وقد تجسد لاجل خلاصنا. انه "عمانوئيل" اي الهنا معنا. ومحبّة. هوالله محبة هو يسرّ بالرحمة والمغفرة وليس بالذبائح والمحرمات.
بالميلاد صار الله بشراً مثلنا أخذ طبيعتنا وصار جسدا وبهذا الجسد مات وتألم وصلب ودقّت فيه المسامير على الصليب.
وصعد الى السماء وفتح لنا باب الخلاص والسماء والسلام والمصالحة. وصرنا به اخوة له وابناء الله الاب ولنا الحق بالميراث السماوي والحياة الابدية. الملك القادم ولد في مزود حقير وهو ملك السلام.
في قبو الفندق
صدر امر من اغسطس قيصر ان يكتتب كل في مدينته، ولأنّ يوسف العائش مع مريم في الناصرة كان عليه ان يذهب الى بيت لحم لأنه منها. أخذ مريم امرأته وهي حامل وذهب.
مريم حامل وقد قرب وقت وضعها. والطريق طويل وشاق، والليل برد وليل وثلج ورياح ولا اهل بعد ليوسف ومريم في بيت لحم ولا اقارب لهما، فأين سينزلان هناك واين سيبيتان ليلتهما وقد قربت ساعة ولادة مريم؟!. هناك في بيت لحم ذهبا الى فندق ولم يكن عند مالكه اي مكان ليأويهما. فسمح لهما أن يبيتا حيث مَبيت حيوانات النزلاء في الفندق.
اله السماء والارض لا مكان له
هناك ولدت مريم لوحدها ويوسف قربها لا اهل ولا اقارب ولا قابلة، لا احد اطلاقا.وقد قمّطت الطفل فيتلك الليلة الباردة والعاصفة ووضعته في معلف البقر. هذا كان مزود الطفل يسوع حيث حنّ عليه الثور والحمار واخذا يدفئانه بلهاثهما.
ملك السماء والارض لا مكان له على الارض التي خلقها ليولد فيه.
مجد الله في العلى وعلى الارض فرح وسلام
وفجأة ظهر في السماء ثلّة من الملائكة تهلل وترنم المجد الله في العلى وعلى الارض السلام وفي الناس المسرّة، وكان هناك في تلك البرية رعاة يسهرون على اغنامهم، ظهر عليهم ملاك الرب وقال لهم انني ابشّركم بفرح عظيم، لقد ولد لكم اليوم مخلص فقال الرعاة لنذهب ونرى. فأتوا ورأوا يوسف ومريم والطفل بينهما وقدّ لُفّ بأقمطة وهو نائم في معلف البهائم. وقدّم الرعاة حملاً للحمل المولود.
مجوس ونجوم
وظهر نجم في السماء لعلماء الفلك المجوس في بلاد فارس وتمت نبوءة بلعام الأعمى القائل. أراه وليس ببعيد وأسمعه وليس بقريب، وتمت ايضا نبوءة اشعيا القائل "إن العذراء تحبل وتلد ابنا".
ومن الشرق اتى الملوك علماء الفلك، وساروا متتبعين النجم الذي هداهم الى مغارة بيت لحم حيث وجدوا العائلة المقدّسة.
واهدوه ذهبا ومرا ولبانا، وعادوا الى طريق أخرى وراء النجم الى بلادهمدون المرور على هيرودوس الّذي عزَم وقرّر قي قلبه قتل يسوع.
"وسمع صوت في الرامة رحيل تبكي على بنيها". بعد أن أمر هيرودوس بقتل جميع اطفال بيت لحم خوفاً من طفل سيكبر ويصبح ملكاً، مكانه. وهكذا صُبغ ميلاد يسوع بالدم كما صُبغ موته بالعذاب والموت والدم.
ثيولوجيا الميلاد
أحب الله البشرية حتى انه ارسل ابنه الوحيد ليخلصها ويعيدها اليه. لأن الانسان ابتعد بعصيانه عن الله، وخطيئته كبيرة بحيث لم يعد قادراً على العودة الى خالقه الذي أحبه وخلقه على صورته وشبهه ومثاله. واقع الميلاد هو محبة الله الكبيرة للإنسان، الذي بكبريائه وادعائه ابتعد عن الله الذي يبحث عنه قائلا: آدم آدم اين انت؟.
بالميلاد جاء المسيح الينا، نحن خاصته فهل ذهبنا نحن اليه بواسطة اخوتنا الناس الفقراء والمحتاجين والجياع والعراة،وهو الّذي قال كنت عريانا ولم تكسوني، كنت جائعا ولم تطعموني، كنت عطشاناً ولم تسقوني،كنت مريضا ولم تزوروني، كنت غريبا مشردا ولم تأووني، كنت سجينا ولم تزوروني، لأنّ كل شيء فعلتموه مع اخوتي هؤلاء الصغار فمعي فعلتموه. فلا نغرق في انانيتنا ونرجسيتنا ونكتفي بذاتنا وبالاكل والشرب واللباس دون الالتفاتة الى ما حولنا من أناس ينتظرون منّا الرحمة والعطاء والحنان.
لا يكتمل فرحنا في الميلاد إذا لم نسامح ونصالح ونغفر ونحبّ ونعطي، لأنه كما يقول القديس باسيليوس الكبير ومعه القديس يوحنا فم الذهب، "اذا كان عندك ثوبان فاخذت واحدة وابقيت الثاني في خزانتك فانت لصّ سارق. واذا كان عندك رغيفان في معجنك واخذت واحدا وابقيت الثاني فيه فانت سارق ولص". الميلاد محبة وخلاص وعطاء والتجسد فعل ومشاركة. فلنجسد المسيح في حياتنا واعمالنا وافكارنا وعواطفنا لنكون في الميلاد. عيد مبارك ولد المسيح هللويا.