لن ينتهي العام 2020 قبل أن يعرف اللبنانيون مختلف الظواهر الغريبة العجيبة، بعد كل ما تعرضوا له منذ ما يقارب العام، لا سيما على المستويات الماليّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة. في الأيام الماضية، خرجت أحزاب السلطة لتنضم إلى صفوف المنتفضين، بعد أن كان المتظاهرون يطالبون بخروجها من الحكم، بسبب مسؤوليّتها عن الإنهيار الذي شهدته البلاد نتيجة الممارسات القائمة منذ إتفاق الطائف حتى الآن.
"قعدوا معنا بالخندق"، هذه الجملة الشهيرة من مسرحية "فيلم أميركي طويل" لزياد الرحباني تختصر الواقع اللبناني في المرحلة الراهنة، نظراً إلى أنّ المشهد الحالي يوحي بأنّ تلك الأحزاب قرّرت "الإنتفاضة" على نفسها، كي تعود إلى قيادة "التغيير" في المستقبل.
تحرّك الأحزاب، يوم أمس، من أجل المطالب التي تتعلق بالطلاّب لم يكن الخطوة الأولى التي تؤكّد نزولها إلى "الخندق". فهي كانت قد أقدمت على ذلك سابقا في العديد من المناسبات، أبرزها في جلسة مجلس النواب التي ناقشت رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون، بشأن التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان. حيث كان من الواضح أنّ جميعها يريد الإصلاح ومحاربة الفساد على عكس الإتّهامات التي توجّه لها، وبالتالي المسؤوليّة من المفترض أن تكون على الشعب الذي كان يمنعها من القيام بذلك.
في السّياق نفسه، يمكن الحديث عن كيفية تعامل تلك الأحزاب مع المسألة الأخطر بالنسبة إلى غالبيّة اللبنانيين، أيّ الحديث عن رفع الدعم أو ترشيده. حيث اختارت الكتل، التي تمثّل تلك الأحزاب في المجلس النيابي، أن ترمي المسؤولية على عاتق حكومة تصريف الأعمال، بعد أن فشلت في القيام بأيّ خطوة في جلسة اللجان النيابية المشتركة. ربما لتعود إلى التصويب عليها بسبب ذلك، أو حتى التظاهر ضدها تحت عنوان مسؤوليتها عن الإنهيار الإجتماعي الذي أفقر المواطنين.
في هذا الإطار، بات من الواضح أنّ تلك الأحزاب تجد في حكومة تصريف الأعمال ووزرائها "شمّاعة"، تستطيع أن ترمي على كاهلها مسؤوليّة الواقع الراهن في البلاد، بغض النظر عن أن تلك الحكومة لم تقم بالحدّ الأدنى مما هو مطلوب منها عندما كانت "كاملة المواصفات". لكن هل من المنطقي أن تُحَمَّل وحدها كامل المسؤوليّة، أو أن تتحول إلى "كبش فداء" لممارسات تلك الأحزاب، التي سبق لها أن عطّلت عملها لا سيّما في المجلس النيابي؟!.
قد يكون من المفيد أن يدرك أنصار تلك الأحزاب أنّ الطريق الأقصر لتحقيق مطالبهم هو في أحزابهم، نظراً إلى أنّها هي القادرة على القيام بالأمر لا حكومة تصريف الأعمال "اليتيمة"، بعد أن تخلّت عنها جميع القوى السّياسية حتى تلك التي كانت داعمة لها، وبالتّالي الضغط يجب أن يكون هناك لا أمام مقرّات الوزارات. وفي حال لم تكن تلك الأحزاب راضية عن أداء حكومة دياب، ما عليها إلا التخلّي عن لعبة المحاصصة التي تحترفها، للإتفاق على تشكيل حكومة جديدة، بدل إنتظار إنهيار كل مقوّمات الدولة قبل العودة إلى الواجهة.
في المحصّلة، بإنتظار التسوية التي تراهن مختلف القوى السياسية على أن تكون بعد رحيل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يبدو أنها لن تتردد في القيام بأيّ خطوة لتلميع صورتها على المستوى الشعبي. ليكون "راجح" (الشخصية الوهميّة في فيلم بيّاع الخواتم للأخوين الرحباني) هو المسؤول عن أكبر عملية سرقة تعرّض لها الشعب اللبناني، ليصحّ معهم المثل الشعبي القائل: "اللي استحوا ماتوا".