خلال زيارته إلى باكو يوم الخميس، حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عرضًا عسكريا، حيث تلا قصيدة لشاعر إيراني من أصل أذري، تتحدث عن تقسيم أرض أذربيجان بين روسيا وإيران في القرن التاسع عشر.
رأت طهران أن تلاوة أردوغان لهذه القطعة من القصيدة "تدخلية وغير مقبولة" وانه ييثير الشعور بالانفصال في إيران. كان أردوغان في العاصمة الأذرية باكو للحضور في عرض عسكري بمناسبة انتصار أذربيجان على أرمينيا في الحرب في ناغورنو كاراباخ التي انتهت الشهر الماضي.
ليس من الواضح ما إذا كان الرئيس التركي قد تلا عمدا هذه القطعة من القصيدة أم أنها مجرد انفعال عاطفي إلا أن تزامن هذه القصيدة والذكرى السنوية لانسحاب القوات السوفيتية من أذربيجان الإيرانية (12 كانون الأول 1945) يحمل رسالة استفزازية.
وتقول السلطات ووسائل الإعلام الإيرانية إن القصيدة التي ألقيت في باكو هي أحد الرموز التي تستخدم من قبل القوميين التركيين الانفصاليين. أبيات من القصيدة تشير إلى نهر أرس و "تشتكي من المسافة بين الناطقين باللغة الأذرية على ضفتي النهر". القصيدة تضم الأسطر التالية: " فصلوا بين (نهر) أرس وعبّوه بالحديد والحجر، لكن أنا لن انفصل عنك وبالقوة فصلونا".
وتعليقا على تلاوة القصيدة من قبل أردوغان قال ظريف على حسابه في تويتر "لا أحد يستطيع الحديث عن أذربيجان الحبيبة" ، وذلك في إشارة إلى المنطقة الشمالية الغربية من إيران حيث يعيش العديد من الأذريين فيها.
هذه الأبيات قد سمعها أشخاص من كلا جانبي أرس في مختلف أنواع الموسيقى الشعبية الأذرية في إيران. تم غنائها عدة مرات من قبل العديد من المطربين لفترة طويلة ولم يحتج أحد. وأياً كان الشاعر، تشير القصيدة إلى أن الناس من نفس اللغة انفصلوا نتيجة الحرب الإيرانية الروسية.
وفقًا لمعاهدة غلستان بين الإمبراطورية الروسية وإيران في 24 تشرين الأول 1813 في قرية غلستان (الآن في جورانبوي رايون بأذربيجان)، والتي تم توقيعها بعد الحرب الروسية الفارسية الأولى الكاملة 1804-1813، تم التنازل عن ما هو الآن داغستان وجورجيا الشرقية ومعظم جمهورية أذربيجان وأجزاء من شمال إيران إلى الإمبراطورية الروسية.
وجاء في رد وزير الخارجية محمد جواد ظريف على أردوغان ، "لم يتم إبلاغ الرئيس أردوغان بأن ما تلاه بشكل سيئ في باكو يشير إلى الفصل القسري بين المناطق من الوطن الإيراني".
قد يرى البعض انه من الغريب ان نستنتج أن مجرد تلاوة قصيدة ما تستخدم للتشكيك في وحدة أراضي إيران. لكن يبدو أن هذا التشاؤم لم يأت من فراغ. تابع الإيرانيون عن كثب الدور الاستفزازي التركي خلال حرب ناغورنو كاراباخ وكانوا قلقين من سياسة نقل الإرهابيين التكفيريين من سوريا إلى المنطقة المتنازع عليها بين أرمينيا واذربيجان.
أظهر رد فعل حسام الدين أشنا، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن إيران تراقب أنشطة مراكز الأبحاث التركية المرتبطة بالانفصاليين التركيين. أشنا، وفي تغريدة على حسابه في موقع تويتر، ألقى باللوم في قصيدة أردوغان على مركز الدراسات الإيراني (IRAM) وهو مركز أبحاث مقره أنقرة يشتبه منذ فترة طويلة من قبل بعض الإيرانيين في الدفع باتجاه تفكك إيران من خلال خلق الفتنة بين الأقليات العرقية في إيران.
لكن بصرف النظر عن الضجة الإعلامية والمواقف السياسية المختلفة عقب تلاوة القصيدة ، يجب أن نذكر بعض النقاط حول سياسات أردوغان الاستفزازية.
إن السياسة الخارجية لتركيا في ظل حكم رجب طيب أردوغان الذي استمر قرابة الـ20 عامًا تميزت بحالة من عدم الاستقرار وإظهار السلوكيات شديدة التقلب. خلال هذه السنوات، تأرجحت علاقات تركيا الخارجية بين تصفير الخلافات مع الجيران إلى مواجهة مباشرة. في الوقت الحالي، فان علاقات تركيا مع معظم جيرانها اليوم ليس على ما يرام.
تقع تركيا جغرافيًا بين دول، معظمها إما في حالة من العلاقات المقطوعة أو علاقة متوترة مع أنقرة. انظروا الى سوريا والعراق وأرمينيا واليونان وقبرص وبلغاريا. من بين هؤلاء الجيران تعتبر علاقات تركيا مع إيران وأذربيجان استثناءً.
على الرغم من أن إيران وتركيا كانتا تسعيان إلى علاقات ودية ومستقرة في السنوات الأخيرة، فإن تصريحات أردوغان يوم الخميس حول المناطق المرتبطة بأرس ذكّرت الإيرانيين بمغامرات أردوغان في سوريا، وهي الدولة التي كانت تربطها أوثق العلاقات مع تركيا قبل بدء الأزمة في عام 2011.
من المعروف في العالم العربي أن أردوغان يتوق إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية. يسميها العرب الاستعمار العثماني والإيرانيون يسمونها الإمبراطورية العثمانية. هذا هو الاختلاف بين وجهة نظر العرب والإيرانيين تجاه العثمانيين. ينظر الإيرانيون إلى الإمبراطورية العثمانية على أنها مجرد خصم سياسي، ويعتبرها العرب عدوًا استعماريًا مغتصبًا.
مع قيام الشاه إسماعيل بتأسيس الحكم الصفوي في إيران، بدأ العداء بين إيران الشيعية والإمبراطورية العثمانية السنية يتصاعد، على الرغم من أن كلا السلالتين كانتا من أصل تركي مع انتماءات عرقية ودينية مشتركة. لكن في الخطوة الأولى، قام السلطان سليم الأول، الخليفة العثماني المتعصب، بذبح 40 ألف شيعي يعيشون في أراضي الإمبراطورية العثمانية، مشتبهًا في أنهم سيهاجرون إلى إيران وينضمون إلى جيش الشاه إسماعيل. السلطان سليم، كتب بعد ذلك رسالة إلى الشاه إسماعيل الايراني طلب فيها ضم إيران إلى الأراضي العثمانية. رفض الشاه إسماعيل، ومنذ ذلك الوقت، واصل السلطان سليم الأول وغيره من السلاطين العثمانيين الحروب ضد إيران (بلاد فارس) بذرائع مختلفة.
على الرغم من أن سبب الاختلافات بين الصفويين والعثمانيين للوهلة الأولى كان حول المذهب، في الواقع، فإن مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية، والتوسع الحدودي، وعدم الاعتراف ببعضهم البعض، والمؤامرات الأوروبية لإضعاف العثمانيين هي تشكل جذور هذه التوترات طويلة الأمد بين الصفويين والعثمانيين.
لقد استغل الأوروبيون بشكل خاص العداء بين الدولة الفارسية والعثمانيين. ووفقًا للكتاب الأوروبيين، كانت الحرب بين الإمبراطوريتين ضرورة حتى لا يغزو الأتراك العثمانيون الأراضي الأوروبية.
نجحت الدول الأوروبية في استغلال الخلاف بين إيران والدولة العثمانية وحاولت استفزاز الطرفين ضد بعضهما البعض. ومن ناحية شجعوا العثمانيين بشكل غير مباشر على الاعتداء على بلاد فارس من خلال الجواسيس والمرتزقة في البلاط العثماني، ومن ناحية أخرى، ساعدوا الإيرانيين على تعزيز قوتهم البحرية وقاموا بتسليح القوة البحرية الايرانية ضد العثمانية.
لنتخيل للحظة ماذا كان سيحدث لو وقف الصفويون والعثمانيون كقوتين إقليميتين جنبًا إلى جنب بدلاً من مواجهة وطعن ظهر بعضهما البعض؟ لا أحد كان يصدق أن إمبراطورية عظيمة ستنهار ذات يوم.
حتى اليوم، تطلق وسائل الإعلام السعودية الإماراتية على إيران اسم "الصفوية" وتسمي حكومة أردوغان بـ"الإمبراطورية العثمانية الاستعمارية". وهذا يدل على بوادر تشكيل قوى مستقلة وناشئة في المنطقة بقيادة إيران وتركيا. ولهذا يخطط أعداؤنا لتقويض بل وحتى تفكيك هاتين القوتين الإسلاميتين. وفي خطتهم يجب أن تنخرط إيران في صراعات داخلية ويجب أن تغرق تركيا في مستنقع التوترات الإقليمية ، وإحدى أفضل الأدوات هي زرع الفتنة بين إيران وتركيا باستخدام المرتزقة الانفصاليين.
تاريخ إيران يشهد على الروح الدينية للإيرانيين وحساسيتهم الوطنية تجاه وحدة أراضيهم. أي محاولة لبث الشقاق بين القوميات الإيرانية في نهاية المطاف أدت إلى تعزيز الوحدة الوطنية.
على سبيل المثال صدام حسين في الحرب التي شنها على ايران واستمرت ثماني سنوات فشل في خلق انقسامات بين الأعراق الإيرانية. على العكس من ذلك، وحدت هذه الحرب الإيرانيين في قضية واحدة وهي الدفاع عن السيادة الوطنية. والمثير للاهتمام أن عرب إيران شكلوا الجبهة الأولى لمواجهة صدام والدفاع عن أراضيهم. لذا دعونا لا ننسى حرب "الجالدوران" التي أشعلها السلطان سليم بهدف تفكيك إيران، لكنها مهدت الطريق لانتصارات الصفويين التالية.
إذا أراد أردوغان إحياء تركيا القوية والمستقلة على الطريقة العثمانية، فمن المؤكد أنه سيحصل على ضوء أخضر من إيران، ولكن فقط إذا لم يتم تكرار الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها العثمانية والصفوية. هذه المرة يمكننا أن نقف معًا ولا نطعن بعضنا البعض في الظهر.
لذلك، لكي نصبح قوة إقليمية، من الضروري تشكيل تحالف، مما يعني أن إيران وتركيا بحاجة إلى الاعتماد على بعضهما البعض. التجربة التاريخية أظهرت أن الأتراك لا يمكنهم الاعتماد على القوى الغربية والأوروبية التي تتبع سياسة "فرق تسد". إذا حدث انقلاب في تركيا، فإنهم ينتظرون النتيجة فقط لتهنئة الفائز الأخير، بينما في انقلاب عام 2016، بذلت إيران قصارى جهدها لدعم حكومة أردوغان.
لا ينبغي أن ينسى أردوغان عندما كانت الإمارات والسعودية تنتظران الاحتفال بسقوط حكومته، كانت طهران تسعى جاهدة لتحقيق الاستقرار في تركيا.
إيران تريد أن تكون تركيا قوية ومؤثرة في المنطقة وهي مستعدة لدفع ثمن استقلالها. ومع ذلك، فهي لا تتبع سياسة التفكك وزعزعة استقرار الجيران، لأننا نعلم جميعًا أن أي طرف يستخدم سياسات خاطئة لتقويض الآخرين سينتهي به الأمر بدفع ثمن باهظ. عندما يطالب المرء بأذربيجان الكبرى، يجب أن يتوقع أيضًا كردستان الكبرى، وربما صراعات عرقية ودينية أخرى. النقطة المهمة هي أن منطقتنا مزيج متشابك من القوميات والديانات وأي خطوة مغامرة قد تؤدي إلى انقلاب السحر على الساحر.
باختصار، علينا أن لا ننسى أبدًا أن إيران القديمة كانت أكبر جغرافيًا من إيران الحالية، وكان العديد من جيراننا الشماليين جزءًا من إيران العظمى. ومع ذلك لم تشك إيران قط في السيادة الوطنية لتلك الدول. وبدلاً من ذلك، سعت إلى تعزيز الروابط التاريخية والثقافية معهم كدول مستقلة.
لكن إذا حاول أحد المس بالسيادة الوطنية لإيران، فإننا سنذكره بالتأكيد أن إيران لم تكن منفصلة عن هذه المناطق، بل ان هذه المناطق هي التي انفصلت قسراً عن أحضان وطنها إيران. واليوم قلوبنا في ايران تتخطى الحدود لتصل إلى إخواننا وأخواتنا في كل من شرق إيران وشمال أرس.
بالتأكيد، يهمس كل الإيرانيين "فصلوا بين (نهر) أرس وعبّوه بالحديد والحجر، لكن أنا لن انفصل عنك وبالقوة فصلونا".