يبدو ان الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس ترامب ماضية في تنفيذ خطتها الرامية إلى تشديد الخناق على لبنان حتى ربع الساعة الأخير الذي يسبق خروجه من البيت الأبيض واستلام الرئيس الجديد جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.
وما يُعزّز هذا الاعتقاد هو استمرار الدبلوماسية الأميركية في وضع العصي في دواليب الحكومة المنتظرة، من خلال رزمة الشروط التي تضعها للافراج عن عملية التأليف، وهذه الشروط في غالبيتها، إن لم نقل كلها، لا يستطيع لا الرئيس المكلف سعد الحريري ولا أي شخصية أخرى تكلف لتأليف الحكومة التجاوب معها كون أن هذه الشروط لا تتوافق على الإطلاق والتركيبة السياسية والطائفية في لبنان، وهذه المسلمة تعرفها واشنطن التي هي على دراية تامة بتفاصيل المعادلة التي تحكم السياسة اللبنانية، ورغم ذلك تراها ماضية في وضع الفيتوات ليس لشيء إلا لعرقلة عملية التأليف ورفع منسوب الانهيار الاقتصادي والنقدي عقاباً للبنان لخروجه عن الطاعة الأميركية في هذه المرحلة.
ولعل استمرار السفيرة الأميركية في الضغط لإبعاد «حزب الله» عن أي توليفة حكومية يُشكّل برهاناً قاطعاً على ان إدارة ترامب لن تسمح بقيام حكومة في لبنان في عهدها تتوافق مع الأجندة الموضوعة لمنطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الحكومة العتيدة لن تبصر النور قبل تسلم ترامب مفاتيح البيت الأبيض لخلفه بايدن.
إنسداد أفق التأليف بالكامل داخلياً.. والعين على تدخل خارجي ينقذ المركب اللبناني من الغرق
ومن هنا تبرز المخاوف من ان يدخل لبنان في نوع من الفوضى المالية والاقتصادية وربما الأمنية في الفترة المتبقية من عهد ترامب الذي يحاول استغلال الانشطار السياسي الموجود في لبنان ومعه الاحتقان الطائفي والمذهبي لتنفيذ مآربه الرامية إلى جعل إسرائيل قادرة على قطف ثمار ما تزرعه لها هذه الإدارة التي نجحت في احداث خرق كبير في الجسم العربي من خلال تحقيق عمليات تطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
وإذا كان البعض من السياسيين يعوّل على الزيارة الثالثة في غضون عام للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى لبنان منذ حدوث انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب المنصرم، لاحداث خرق ما في جدار الأزمة في لبنان، فإن المعطيات الموجودة لا تؤشر إلى ان الرئيس الفرنسي يحمل في جعبته أية أفكار جديدة أو حلولاً للعقدة الحكومية في لبنان، لا بل ان المعلومات تفيد بإمكانية ان يلجأ الاتحاد الأوروبي الذي كان قد تبنى مبادرة الرئيس ماكرون لإنقاذ لبنان ووضعه على سكة الإصلاحات إلى فرض نوع من العقوبات على قيادات سياسية بعد ان بعث الأسبوع الفائت برسائل قاسية إلى هذه القيادات من خلال بيان شديد اللهجة خصصه للحديث عن الواقع اللبناني وما هو مرتجى لمنع انزلاق لبنان نهائياً باتجاه الهاوية.
وفي هذا السياق، ترى مصادر سياسية عليمة ان الوضع اللبناني بلغ من التعقيد مرحلة باتت تنذر بالانفجار على كل المستويات، وهي تلفت النظر إلى ما يعبّر عنه الرئيس نبيه برّي امام زواره هذه الأيام من عدم ارتياح لما وصلت إليه المفاوضات الجارية بشأن تأليف الحكومة الذي وصل إلى أفق مسدود لا يعلم أحد كيفية الخروج منه.
وفي تقدير هذه المصادر ان حرب البيانات التي تدور رحاها بين القصر الجمهوري و«بيت الوسط» اوصدت الأبواب امام أي إمكانية لتأليف الحكومة في القريب العاجل، وهي تعرب عن مخاوفها من تفاقم الوضع السياسي بما يجعل الاتفاق على توليفة حكومية على المستوى الداخلي امراً مستحيلاً، مما يجعل الاستعانة بطرف خارجي يدخل على خط التأليف ويعمل على نزع الألغام الموجودة أكثر من ضرورة قبل الدخول في نفق الذي لا بصيص نور في خارجه.
وتعتبر المصادر ان ما جرى بين رئيس الجمهورية والمحيطين به من جهة وبين الرئيس المكلف والدائرين في فلكه يوحي بأن الهوة بين الطرفين آخذة في الاتساع، وان تلمس الخروج من هذا الاشتباك الذي لم يحصل في أية عملية تأليف لأي حكومة في عهد الرئيس عون بات غير ممكن في ظل احجام كل الأطراف الأخرى عن التدخل لوضع حدّ لما يحصل على هاتين الجبهتين.
وإذا كان كل طرف يرمي باللوم على الطرف الآخر في ما يجري على مسار التأليف، فإن ما يجري على مستوى التراشق اليومي، يوحي وكأن كل طرف من الأطراف المتنازعة يريد ان يلغي الطرف الآخر، أو على الأقل يعمل على منعه من الإمساك بالكامل بزمام المبادرة، وهذا التوجه هو الذي يجعل المعركة أكثر شراسة، ويبعث على الخوف من ان تكون نتائجها كارثية على بلد يُعاني ما يُعاني من أزمات مالية واقتصادية بات يحتاج لسنوات طويلة للخروج منها إن هو دخل مدار الحلول لهذه الأزمات بدءاً من اليوم، وهذا ما ألمحت إليه السفيرة الأميركية في بيروت التي حذّرت لبنان وإن بشكل مبطن من أيام صعبة قادمة.
وحيال هذا المشهد غير المريح تدعو المصادر إلى انتظار مجيء الرئيس الفرنسي إلى لبنان ومعرفة ما سيحمله من أفكار ربما تكون جازمة لديه، قبل ان يقول للسياسيين اللبنانيين اللهم اني قد بلغت، وقدمت كل ما هو مطلوب لتأمين وصول المركب اللبناني إلى شاطئ الأمان، غير ان أصحاب الشأن اداروا لي أذنهم الصماء، مما حملني على ترك هذا البلد يغرق من دون ان يكون هناك من يعزف الموسيقى.
وأشارت هذه المصادر إلى ان اخفاق الرئيس ماكرون مجدداً في الوصول إلى حل، ستكون له اثمان باهظة على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي على ما يبدو أصبحت لوائح العقوبات جاهزة لديه وهو ينتظر ساعة الصفر التي يقول فيها الرئيس ماكرون لقد فشلت.