وجّه راعي أبرشية عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس الميتروبوليت باسيليوس منصور، في رسالة تأمل ومناجاة بمناسبة عيدَي الميلاد ورأس السنة، قائلًا: "يا سيّدي ومولاي وبهجة نفسي وسرور فؤادي، أتوجّه إليك بكلمات أشعر معها بالخجل من عظيم محبّتك وحنانك ورأفتك، ويزداد خجلي ونحيبي وحزني على نفسي وعلى العالم الّذي أحببته، حتّى أنّك ما وجدت تضحيتك بنفسك كثير عليه. بل أتيت متجسّدًا لا مخيفًا ومرعبًا، بل متواضعًا صائرًا كالبشر في كلّ شيء ما خلا الّذي هو بخلاف الطبيعة".
وركّز على أنّ "العالم لم يعد يعرف للامتنان طريقًا، حتّى الأولاد لوالديهم والمحبوبون المخدومون لمن أحبهم وخدمهم، فكيف سيكونون في امتنان لعملك وتضحيتك. اعذرني إن أَخبرتك أنّ العالم يتضايق عندما يذكر تعليمك. ويسر باسمك لأنّهم به صنعوا لهم أفراحًا أنستهم صاحب الاسم وتناسوا تعاليمه". ولفت إلى أنّه "كلّما ابتعد العالم عن الإلتجاء تحت جناحيك، كلّما أكلته ذئاب الشر وعبثت به أفاعي الخطيئة، وأي خطيئة أقسى ما يمكن لإنسان أن يتصوّر. الناس في همّ وغمّ وهُم لا يدرون أنّهم هم سبب الهم والغم. يريدون أن يتقدّموا في الحياة، وإذ بهم يعودون إلى الوراء نحو هاوية الموت ووهاد الجحيم. والجحيم هو عدم الإحساس ولا إدراك وجودك".
وذكر الميتروبوليت منصور أنّ "الناس قد كرهوا الحياة الّتي صنعتها أيديهم، وفرحوا بها كما يفرح الصغار بألعابهم. وكما يملّ الصغار ألعابهم، ملّ الناس الحياة الّتي نتجت عن ألاعيبهم، فها هم يخترعون أدوات للموت، ونسوا أنّ مسرتك بأن يعود الخاطئ عن طريقه فيعود ويحيا. لقد علّمتنا طريق الحياة بعلم لا أبسط ولا أبهى ولا أنقى، ولكنّنا أردنا التعقيد والضبابيّة والمشوه في حياتنا بالحقيقة. قد استبدلناك بما خلقت، وعميت أذهاننا، وأظلمت بصائرنا عن إدراك حقّك. فقد قسينا قلوبنا عندما سمعنا صوتك، ومن لا ينتبه إليك يقبع في الظلام والعتمة والضياع".
وشدّد على أنّ "الناس قد تعبوا، ولولا تعلّق القلّة بك لما بَقي رجاء. ولي رجاء إذا أَتيت يوم العيد ووجدت الناس لاهون عنك لا تزعل وترحل، بل تعال بيننا، واسكن في بيوتنا شئنا أم أبينا. فعقولنا الصغيرة عاجزة عن إدراك عمق أحكامك، والبهجة الّتي يحييها حضورك"، مبيّنًا "أنّنا كالأطفال لا نريد أن نتعلّم، ولكن آباؤهم يجبرونهم على الذهاب الى المدرسة وسط البكاء والتشنّجات، ونحن بالفعل قد أصبحنا صغارًا، وتصغر قاماتنا كلّما أَمضينا الأوقات والحوادث بدونك، فلا تتركنا نصنع إرادتنا بل مشيئتك لأنّ بها الخلاص والعظمة والرفعة. وجودك يقضي على بهيميتنا وحيوانيتنا ويبعد عنّا كلّ الأفعال والشهوات الرديئة".
وأشار إلى "أنّني أسألك ألّا تبتعد لا عنّي، ولا عن عبيدك. فالعبد لا يملك من أمره شيئًا، وأنت الّذي قلت أنّك لن تدعونا بعد عبيدًا بل أحبّاء، وأنّك ستبقى معنا إلى انقضاء الدهر، وهذه هي التعزية الكبرى، وتصبح كلّ تعزية أخرى أمامها كلا شيء. أَرسل على الناس يا سيّد الناس، ويا محبّهم الأوحد أنوارك لتضيء قلوبهم فتمتلئ نفوس المسؤولين بنورك وتتزيّن بالرحمة والتوبة والحنان. إملأ مغاور قلوبهم بنورك فيبيد ظلام نفوسهم واجعل أزمنتنا القادمة أزمنة برّ وتقوى ومحبّة وسلام".
كما توجّه إلى الله بالقول: "هب كنائسك السلام وأبعد عنها الإنشقاقات واجعل في نفوس الرعاة تواضعًا، ليدركوا أنّ روما الأولى وروما الثانية وروما الثالثة وروما الرابعة، وكذلك الخامسة والسادسة إنّما هي عروش المتكبّرين. علّمهم يا سيّدي ألّا تتّكل الكنائس لا على الرؤساء ولا على بني البشر. علمهم أن يقيموا حقّ كلمتك وتواضعك، حتّى إذا ارتفعوا على سلم التواضع جذبوا الجميع إليك. أيقظ في نفوسهم التقوى لكي ينجوا من وعيدك للرعاة الّذين انتبهوا لأنفسهم وليس إليك. نعم يا سيدي اعط الثبات لعائلاتنا، شدّد المحبّة المتهاوية في بيوت البعض منهم، واجعلهم لا يرون بعضهم إلّا بك طائعين كلمتك بانين كنائس في بيوتهم".