الفائتة، في إطار المعايدات، لسيد الصرح البطريركي، ضمن الأجواء الميلادية، لا أكثر. والهدف الأساس لهذه الزيارة، هو الإيحاء للشارع المسيحي في لبنان، أن هناك "بشائر أمل" لولادة حكومةٍ جديدةٍ، مع إقتراب عيدي الميلاد ورأس السنة، "بمبادرة وجهود" من الحريري. ولكن في الحقيقة، "إن حركة زعيم المستقبل، بلا بركة"، فمن المسّلم به، أن ما يؤكد صدق النيات، لحل الأزمة الحكومية الراهنة، يكون من خلال تخلي الحريري عن النهج الإقصائي والإلغائي الذي يتبعه منذ الأيام الأولى لتكليفه الأخير تشكيل الحكومة المرجوة، في محاولةٍ لإقصاء أكبر مكوّن نيابي لبناني ومسيحي عن موقع القرار في السلطة التنفيذية. ومن يريد فعلاً، إراحة المسيحيين، عليه الكف عن تفسير إتفاق الطائف، بما يتناسب مع مصالحه السلطوية، وبما يدغدغ الغرائز المذهبية لشارعه، كي بيقى مشحوناً و"غب الطلب" عند أي إستثارةٍ مذهبيةٍ لهذا الشارع، يجتاجها "الزعيم"، ليوظفها في خدمة مختلف مصالحه السلطوية والمنفعية في آنٍ معاً. ثم بعد ذلك، الإقرار أولا، أن رئيس الجمهورية هو شريك فعلي في تأليف الحكومات، وليس "باش كاتب"، يوقع شكلياً على مراسيم تأليفها. وهذا الإقرار ليس منةً من أحد، بل عملاً بتطبيق الدستور، أي "الطائف" عينه.
أما في شأن "الطرح" الجديد الذي حمله الرئيس المكلف الى البطريركية المارونية، فلايعدو سوى "مناورةٍ جديدةٍ"، "كالتشكيلة الوزارية الإستفزازية" التي سلمها الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الأسبوع الفائت، لإيهام الرأي العام المحلي والدولي أيضاً، بأنه مستمر في "مبادراته الإنقاذية"، وأن مصادر التعطيل هي "بعبدا" و "ميرنا الشالوحي"، برأي مرجع سياسي مطلع على مسار تأليف الحكومة.
ويكشف أن "الطرح المفخخ" الذي حمله الحريري الى الراعي، يرتكز على ثلاث نقاطٍ أساسية هي: أولا، أن يصار الى تشكيل حكومة مكوّنة من 18 وزيراً. ثانياً، يحصل فيها رئيس الجمهورية ظاهرياً على ستة وزراء، أي عدم تمكينه من الحصول على "الثلث الضامن" في الحكومة. ثالثاً، المشاركة بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف في الرأي في شأن إختيار الوزراء المدعومين من فريق 8 آذار، أي (حزب الله، حركة أمل، تيار المرده، والحزب السوري القومي الاجتماعي). وهنا يكمن اللغم الذي يحاول الحريري تمريره في "طرحه" الذي قدمه الى الراعي.
فقد إرتفع منسوب التذاكي لدى رئيس "التيار الأزرق" الى درجةٍ، دفعته الى تصوير نفسه، بأن "مفضل" على رئيس الجمهورية، ولكن من "كيسه"، أي كيس الرئيس، ودائماً برأي المرجع. بالتالي فقد جاء توزيع الوزراء المسيحيين في "التشكيلة الملغومة"، على الشكل الآتي: يسمي عون 6 وزراء مسيحيين، من بينهم وزير الداخلية بالإتفاق مع الحريري. كذلك تسند حقيبة وزارية الى"القومي"، من الحقائب المسيحية التسعة، وهنا يربح "زعيم المستقبل" لرئيس الجمهورية "جميلة"، على اعتبار أن "القومي"، حليف لعون والتيار الوطني الحر، علماً أن " السوري القومي" لم يلتزم بقرار حليفيه ح زب الله و"التيار"، فقد سمى نوابه في الإستشارات النيابية الملزمة، الحريري، رئيساً مكلفا التشكيل الحكومة، ما يؤشر الى حتمية امتداد أمد التحالف بين الطرفين الى ما بعد تأليف الحكومة المرتقب، وفق تقدير المرجع.
وهنا يطرح هذا السؤال البديهي، "إذا كان الحريري ضنيناً على أن يمنح "القومي" جائزة ترضيةٍ، كرد جميل "للكتلة القومية الاجتماعية" التي منحته أصوات نوابها في "الإستشارات"، فلماذا لا يفسح لها في المجال، كي تسمي وزيراً مسلماً سنياً، على اعتبار أن "الحزب القومي"، عابر للطوائف والمذاهب؟. وما جاء في "التشكيلة الملغومة" أيضاً، كذلك تسند الى "المرده" حقيبتين، و حقيبة اخرى الى حزب الطاشناق، وبناءً على ذلك، تكون حصة رئيس البلاد الفعلية، في المحصلة، هي أربعة وزراء، لا غير، وفق حسابات الحريري.
في المقابل، رد رئيس الجمهورية على هذا "اللغم"، في البقاء على موقفه الداعي دوماً الى التمسك بتطبيق الدستور، والتزام وحدة المعايير في إنتقاء الوزراء وتوزيع الحقائب في الحكومة المرتقبة، وهذا ما أكده موفد الرئاسة الأولى الى بكركي، النائب جبران باسيل، الذي جزم بدوره للراعي بالقول: " ما ينطبق على غيرنا ينطبق علينا". وأكدت مصادر بكركي من جهتها، "أن الصيف والشتاء تحت سقف واحد غير مقبول في التأليف، أي على المعنيين التزام وحدة المعايير في عملية تشكيل الحكومة.