لفت متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، إلى أنّ "أبناء لبنان عمومًا وبيروت خصوصًا، مثال للصمود في وسط الشدائد والضيقات. هُدمت بيوتهم، شرّدوا في طقس عاصف، يغرقون كلّ يوم داخل سيّاراتهم في طرقات أشبه بالمستنقعات، يتعرّضون كلّ لحظة لخطر الإصابة بوباء مميت، أقفلت مصانعهم ومحالهم التجارية، طُردوا من وظائفهم بسبب الضائقة الماديّة، حُبست أموالهم في المصارف، نهبت البسمة من وجوههم، ومع ذلك نجدهم صامدين، مؤمنين بالله، منشدين مع النبي داود: "يا الله أنت ناصري، إلهي رحمتك تدركني".
وأشار خلال ترؤسّه قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت، إلى "أنّنا نسمعهم يقولون إنّ الله هو عونهم الوحيد، وقد فقدوا ثقتهم بكلّ زعيم أرضي، على حسب قول صاحب المزامير: "لا تتّكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الّذين ليس عندهم خلاص". من يحبّ الله لا يفقد الرجاء". وركّز على أنّ "اليوم، في أحد النسبة، وفي تذكار الشهيد في رؤساء الكهنة إغناطيوس الأنطاكي، نصلّي أن يجعلنا إلهنا المتجسّد ندرك أنّ خلاصنا يأتي من العلى. نصلّي أن يمنحنا الرب صبرًا كي نحتمل المرور في أتون النار الّتي أَوقدها حكّامنا منذ سنين طوال، ولم يعمل أحد بعد على تخفيف لهيبها. على العكس، يؤجّجون اللهيب أحيانًا، كما شهدنا في الأسبوع الماضي".
وركّز المطران عودة على أنّ "الجميع يطالبون بالحقيقة والعدالة، والجميع يتغنّون بضرورة احترام القضاء وصونه بعيدًا من متاهات السياسة. وعندما يحاول القضاء القيام بواجبه، يهبّون دفاعًا عن الدين والطائفة والمذهب، وكأنّ الطائفة هي المقصودة عندما يُشار إلى إنسان ينتمي إليها". وتساءل: "هل أصبح الدين ملجأً أم هو علاقة بين الإنسان وخالقه؟ وهل يريد أهل السلطة كشف الحقيقة أم طمسها؟ غريب أمرنا، ندّعي العلمنة ونطالب بدولة مدنيّة، وعند أوّل امتحان تعود الاصطفافات الطائفيّة والمذهبية، ويتلاقى من كان الجفاء مستوطنًا بينهم".
وسأل: "إذا أخطأ موظّف أو مسؤول، هل تكون الطائفة هي المخطئة؟ كيف تستقيم العدالة إذا كانت كل طائفة تمنع محاسبة المنتمي إليها؟ ثمّ هل يخشى البريء وذو الضمير الحي المساءلة؟"، مؤكّدًا أنّ "الظلم والتجنّي مرفوضان كائنًا من كان المستهدف، والعدالة مطلوبة للجميع، كما المحاسبة، من دون استنسابيّة أو انتقائيّة. كما أنّ القانون يجب أن يسري على الجميع، إلى أي طائفة انتموا". وشدّد على "أنّنا في حاجة إلى دولة المواطنة لا دولة الطوائف، إلى دولة يحكمها الدستور والقوانين، وتعمّ فيها العدالة والمساواة، ويكون فيها القضاء منزّهًا عن كلّ المماحكات، ومحترمًا".
وأوضح أنّه "إذا كان المسؤولون يشكّكون بنزاهة القضاء، ولا يعتبرون أنفسهم تحت القانون، ماذا تركوا للخارجين على القانون؟ من أبسط واجبات المسؤول أن يخضع للقضاء بتواضع، أن يكون القدوة في احترام القوانين، عوض اللجوء إلى حماية طائفته"، متسائلًا: "هل الدين والطائفة لحماية الفاسد أو المقصّر أو المستخفّ بعقول الناس وحياتهم؟ أم هل ضرب هيبة القضاء يخلص البلد؟ أمّا المتهم البريء فالجميع إلى جانبه، وهو يعرف في قرارة نفسه أنّ الحقّ دائمًا ينتصر، وأنّ الحقيقة، مهما تأخرت، نور يسطع".
كما رأى أنّه "لن يستقيم الوضع في لبنان إلّا عندما تصبح المراكز الّتي يتولّاها اللبنانيّون تخصّ الوطن بأسره، لا طائفة هذا الموظّف أو ذاك المسؤول، وعندما يعمل هؤلاء من أجل خير لبنان واللبنانيّين، لا من أجل مصلحة الطائفة أو المذهب. أمّا القامات والرجالات الكبار فينسحبون بعزّة وكرامة وهدوء عندما يقترفون خطأً، دون تشويش على القضاء أو خروج على القانون".