لم ينتهِ الاسبوع الفائت دون انيحمل معه دعوة جديدة لاستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. صحيح ان الدعوة لم تكن بشكل مباشر، وكانت اقرب الى التقييم الذاتي منها من اصدار موقف في هذا الشأن، ولكن التلميح كان كافياً ولا يحتاج الى لبيب ليفهم. وفيما كان مفهوماً ان دعوة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الى عون بالاستقالة لا يعوّل عليها كثيراً لانه من المذهب الدرزي وليس الماروني، وبالتالي لا يمكن ان يضع نفسه مكان عون، كما انه لم يترك مجلس النواب الا بعد ضمان وصول نجله الى البرلمان، كان لافتاً دعوة رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجيه ورئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع لعون بالاستقالة، تأكيدهما، كل في مناسبة مختلفة، انهما كانا سيعمدان الى الاستقالة لو كانا في سدّة الرئاسة حالياً.
لا يمكن لاحد اخفاء واقع ان وضع رئيس الجمهورية حالياً ليس بالمثالي، وانه ربما لو كنا في بلد مختلف وفي ظروف مختلفة، لكان الطقم السياسي بأكمله قد اصبح يتابع التطورات السياسية المحلية والعالمية عبر وسائل الاعلام في المنزل. ومع التشديد على ان النظام اللبناني ليس نظاماً رئاسياً، ولا يملك رئيس الجمهورية صلاحيّة حسم القرارات فيه، الا انّه يحق للبعض المطالبة باستقالة عون لانه لم ينجح في تحقيق الاهداف التي نادى بها، بغض النظر عن الاسباب التي منعته من ذلك. ولكن، من غير المقبول ان يستخفّ كل من جعجع وفرنجيه بعقول اللبنانيين والتبجّح بأنهما، كما يقول غيرهما ايضاً في الصالونات السياسية، كانا سيعمدان الى التنحّي عن الرئاسة في حال شغلا المنصب في قصر بعبدا. لم ينسَ اللبنانيون بعد تمسك جعجع بعدم استقالة نواب الحزب من المجلس النيابي لانّه عندها سيكون كمن ترك الاوضاع كلها لاخصامه في السياسة، كما لم ينسَ اللبنانيون ايضاً تشبّث فرنجيه بعدم الاستقالة من منصبه كوزير للداخليّة عام 2005 بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، ولم يغادر الا بعد اعلان رئيس الحكومة الراحل عمر كرامي استقالة الحكومة التي كان يرأسها. ليس المثالان المذكوران من باب تسجيل النقاط او فتح جراحالتأمت والحمد لله، ولكن القصد منها اظهار عدم الاقتناع بما قاله كل منهما في ما خص الاستقالة من منصب الرئاسة. ويمكن للجميع تخيل جعجع وهو يخرج بكلمة الى اللبنانيين من قصر بعبدا، فيما لو كان رئيساً، يؤكّد فيها انه لن يستقيل لانّ ذلك سيؤدي الى ترك الساحة لمناوئي الحريّة والاستقلال والسيادة، وسيضع مصير لبنان في المجهول، وانّه لا يتمسك بالرئاسة من اجل المنصب بذاته انما لابقاء هوية لبنان كما نعرفها دون تغيير.
اما فرنجيه، فلا يمكن تخيّل انه كان سيرضخ لضغوط للاستقالة، وكان سيزداد قناعة ان بقاءه هو اساس لبقاء لبنان، وانه لو اعطي صلاحيات وفق الدستور لكان غيّر كل الامور الى الافضل، كما كانت زغرتا قد انتفضت بالكامل واقيمتالتظاهرات والمواكب السيّارة دعماً له، ناهيك عن تشبّثه بالخطّ السياسي الذي يسير عليه وفقاً لقناعاته.
يمكن لجعجع وفرنجيه اطلاق الانتقادات بحق عون قدر ما يريدان، وهناك الكثير مما يمكنهما انتقاده فيه، ولكن لم يكن موفّقاً اعلانهما تبنّي موقف يعلمان تماماً انّه لن يحصل ولن يقدما عليه في اي زمان، خصوصاً وان استقالة رئيس الجمهورية لا تشبه استقالة رئيس الحكومة الذي يمكن ان يعود اليها سريعاً (على غرار رئيس الحكومة المكلّف حالياً سعد الحريري)، بحيث انّ العودة الى رئاسة الجمهورية ليست بهذه السهولة، كما انه مرتبط بموافقة اقليمية ودولية لا يمكن تخطّيها، وايّ اخلال بها يدفع الى الاخلال بالنظام اللبناني بأكمله.