كان رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، أول الداعين إلى إستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الشخصيات السياسية الأساسية في البلاد، إلا أنه فضل عدم خوض هذه المعركة كي لا يثير الحساسيات الطائفية، داعيا "الزعماء" المسيحيين إلى خوض هذه المواجهة، خصوصاً رؤساء حزبي "القوات اللبنانية" سمير جعجع و"الكتائب" النائب السابق سامي الجميل ورئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، بالإضافة إلى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
في هذا الإطار، كان من الواضح أن الراعي لن يخرج عن موقف بكركي التاريخي الرافض لأي مس بموقع رئاسة الجمهورية، فالبطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير كان قد رفض ذلك، بعد العام 2005، كل الدعوات إلى إستقالة الرئيس السابق اميل لحود، في حين أن التردد كان يسيطر على كل من جعجع وفرنجية بشكل أساسي، خوفاً من التداعيات التي قد تترتب على مثل هذه الخطوة على المستوى الشعبي.
في الاسبوع المنصرم، يبدو أن جعجع وفرنجية قررا الخروج من المنطقة الرمادية على هذا الصعيد، كل من موقعه وخلفيته السياسية، نظراً إلى أنهما على خلاف مع عون منذ ما قبل إندلاع التحركات الشعبية في السابع عشر من تشرين الأول من العام الماضي، وهما يطمحان، بحسب ما ترى مصادر سياسية مطلعة، من وراء هذه المعركة إلى قطع الطريق على إحتمال ترشح رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل لهذا الموقع في العام 2022.
على الرغم من ذلك، تؤكد هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن الدعوات إلى إستقالة رئيس الجمهورية لم تتحول إلى معركة حقيقية حتى الآن، نظراً إلى أن مواقف كل من جعجع وفرنجية جاءت في إطار عام أساسه الرد على أسئلة صحافية، وبالتالي لا يمكن البناء عليها من أجل الحديث عن إنطلاق مواجهة فعلية على الساحة المسيحية، خصوصاً أنهما يدركان الحاجة إلى غطاء بكركي من أجل ذلك، وتضيف: "من غير المرجح أن يتوفر هذا الغطاء بأي شكل من الأشكال".
من وجهة نظر المصادر نفسها، الهدف من هذه الدعوات زيادة الضغط على عون في المرحلة المقبلة، نظراً إلى أن كل من رئيسي "القوات" و"المردة" يعتبران أن رئيس الجمهورية بات محاصراً من الناحية السياسية، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، في ظل العجز عن المبادرة على الصعيد المحلي، وبعد العقوبات الأميركية التي فرضت على باسيل في الفترة الماضية، وبالتالي السعي إلى توجيه المزيد من الضربات إلى هذا الخط السياسي، قبل موعد الإنتخابات النيابية المقبلة.
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر السياسية المطلعة أن هذه المعركة ستبقى من دون أي أفق في المرحلة المقبلة، لكنها تشير إلى أن حدّتها قد ترتفع مع بداية العام 2021، لا سيما إذا ما استمر الفشل على المستوى الحكومي، خصوصاً أن المرحلة ستكون أصعب من النواحي المالية والإقتصادية والإجتماعية، لا سيما مع التوجه إلى ترشيد أو رفع الدعم عن السلع الأساسية، إذ قد يكون العهد أمام موجة أوسع من التحركات الشعبية.
بالنسبة إلى هذه المصادر، أبعد من الغطاء المسيحي غير المتوفر لهذه المواجهة، هناك معطيات أخرى لا يمكن تجاهلها، أبرزها شخصية رئيس الجمهورية التي لا تقبل التسليم بكل سهولة، خصوصاً أنه لا يزال يستند على دعم شعبي ورغبة في إنجاز برنامج عمله في العامين المتبقيين من ولايته، بالإضافة إلى الدعم الذي يحظى به من قبل "حزب الله"، لا سيما أن أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله سبق له أن أعلن، في بداية التحركات الشعبية، رفضه الدعوات إلى إستقالة عون.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها أن الدعوات إلى إستقالة رئيس الجمهورية تأتي في إطار المعارك التي تفتح في الوقت الضائع، حيث الجميع ينتظر تسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مع بداية العام الجديد، على أن يتبين الخط الأبيض من الأسود بعد ذلك، خصوصاً أن المنطقة قد تكون على موعد مع تحولات في المرحلة المقبلة.