تساءلت مصادر سياسية لبنانية ما إذا كانت الجهود التي يقوم بها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لفتح كوّة في جدار الأزمة الذي يعيق تشكيل الحكومة ستصل إلى خواتيمها السعيدة، بدءاً بتحضير الأجواء لمعاودة التواصل بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أم أن الأزمة تتجاوز التأليف إلى إصرار عون على قطع الطريق أمام الحريري للعودة إلى سدة الرئاسة الثالثة على خلفية أن الكيمياء السياسية لا تزال مفقودة بينهما منذ انهيار التسوية التي كانت وراء انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وهذا ما يفسر وضع شروط مخالفة للأصول الدستورية المتبعة في تشكيل الحكومات؟
وأكدت المصادر عبر "الشرق الاوسط" أنه لم تكن لدى الحريري مشكلة للقاء عون في أي لحظة إذا اتصل به وأعلمه بأنه يريد أن يبدي رأيه في التشكيلة الوزارية التي تسلمها منه في اجتماعهما الأخير قبل أن تنقطع الاتصالات بينهما، لافتة إلى ان انقطاعهما عن التواصل أتاح للبطريرك الراعي التحرك بقرار ذاتي في محاولة لرأب الصدع بين بعبدا وبيت الوسط، بعد أن اطّلع على مكامن الخلل السياسي الذي يؤخر ولادة الحكومة.
ولفتت إلى أن الراعي بعد أن اطلع من عون على موقفه حيال تشكيل الحكومة، أبدى رغبة بدعوة الحريري إلى بكركي، حرصاً منه بأن يكون على بيّنة بعيداً عن الاجتهاد والتحليل حيال أسباب تعثُّر التأليف، وأكدت أن المواقف التي صدرت عنه بعد لقائه عون قوبلت بارتياح من الرئيس المكلّف، خصوصاً أنه أعلمه به مباشرة في حضور الوزيرين السابقين غطاس خوري وسجعان قزّي الذي لعب دوراً في تحضير الأجواء التي سبقت اجتماعهما. وشددت على ان لا اعتراض على اللاءات الثلاثة التي شدّد عليها الراعي، سواء لجهة رفضه بأي شكل من الأشكال تطييف تأليف الحكومة، ومعارضته قيام حكومة من الحزبيين، وإصراره على أن تتشكل من مستقلين واختصاصيين وأنه لا مكان للثلث الضامن فيها، وأكد بأن الراعي باقٍ على موقفه، وهذا ما عاد به مستشار الحريري الوزير السابق خوري بعد مقابلته رأس الكنيسة المارونية في حضور قزي.
وكشفت أن الراعي لا يؤيد قول البعض إن هناك من يحاول قضم حقوق المسيحيين، في إشارة إلى ما يردّده من حين لآخر رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، مؤكدة أنه يرفض الأحاديث الطائفية ويصر على الدوام على التحدث باسم اللبنانيين، وبالتالي يرى أن من حق الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة أن يتشاور في شأنها مع رئيس الجمهورية لأن مرسوم تشكيلها في حاجة إلى توقيعهما.
وتوقّفت هذه المصادر أمام إصرار باسيل على استهداف المسعى الذي يقوم به الراعي بقذائف سياسية من العيار الثقيل في محاولة لقطع الطريق على حصول أي تقدُّم في عملية التأليف، خصوصاً عندما يتوجّه الحريري إلى بعبدا للقاء عون على أمل أن تكون مواقف الراعي حاضرة في اللقاء باعتبار أنها تشكل المدخل لإحداث خرق يعيد الحيوية للمشاورات بدلاً من أن تبقى تراوح مكانها كما يراهن باسيل الذي أعادها من خلال مواقفه الرافضة إلى المربع الأول.
واعتبرت أن لقاء عون - الحريري المرتقب قريباً، إلا إذا كان الأول يريد ترحيله إلى موعد لاحق، يفترض أن يشكل اختباراً يتعلّق بمدى استعداده لفتح صفحة جديدة تدفع باتجاه تعاونهما لتسريع تشكيل الحكومة لأن البلد الذي ينزلق إلى قعر الهاوية لم يعد يحتمل الفراغ أم أنه سيراعي باسيل؟
وأشارت المصادر إلى ان "تذرّع باسيل برفضه تشكيل حكومة من اختصاصيين برئاسة الحريري كونه يرأس تياراً سياسياً ليس في محله لأن ما ينسحب على عون ينطبق عليه، وإلا هل انتخب عون رئيساً للجمهورية لأنه صاحب اختصاص أم كونه يرأس تياراً سياسياً، وبالتالي فإن اعتراضه يفتح الباب أمام الإخلال بالتوازن السياسي وبتركيبة البلد بحرمان الأقوى في طائفته من تولّي رئاسة الحكومة. لذلك تدخل مشاورات التأليف مع عودة التواصل بين عون والحريري في مرحلة حاسمة، سائلة "هل بات عون على قناعة بأنه لا مفر من التعاون معه في ضوء مراجعته لحساباته، لأن البديل ليس في متناول اليد، ولن يجد من يتعاون معه، كما يقول رئيس حكومة سابق، خصوصاً أن الحريري ليس في وارد الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة؟".