يعيش اللبنانيون يومياً على وقع الأخبار السيئة والتوقعات المتشائمة التي تعدهم بأوقات اقتصادية أصعب بعد رفع الدعم عن المحروقات وعن بعض السلع الأساسية التي ستزيد اسعارها وبالتالي سيكون من الأصعب على اللبنانيين تأمين الأمن الغذائي، والعيش بمستوى معيشة كريم ولائق بسبب الغلاء.
وبالرغم من كل ذلك، ما زالت الجهود الحكومية تراوح مكانها، في ظل تمسك الرئيس المكلف بتسمية الوزراء المسيحيين بنفسه. وكانت دعوة البطريرك الراعي الى تسمية أشخاص غير سياسيين وغير حزبيين ومن المجتمع المدني لافتة، باعتبارها طرح نظري غير قابل للتحقق لأسباب عدّة أهمها: أن من سيسمي هؤلاء هو سعد الحريري وهو سياسي حزبي، وبالتالي سيكون هؤلاء موظفون لديه. الأمر الثاني هو الثقة التي ستحصل عليها تلك الحكومة في مجلس النواب والتي ستكون اقرب الى المستحيل إذ لا يملك المجتمع المدني كتلة نيابية (ولا أصوات حتى) تؤهله الى تشكيل حكومة ومنحها الثقة.
وأمام هذه الطروحات النظرية غير القابلة للتطبيق، تبرز بعض التقارير الإعلامية التي تعتبر ان الحريري يحاول تمرير الوقت الى أن يأتي جو بايدن وينتهي عهد ترامب الذي يهدده بعقوبات إن هو قام بتشكيل حكومة تضم حزب الله، وبالتالي يعيد البعض المأزق الذي يجد الحريري نفسه فيه هو أنهم قام بإعطاء وعود للخارج لا يمكن تسييلها في الداخل.
وإذا كان انتظار تغيير الإدارة الأميركية فيه بعض الأحقية للتخلص من الضغوط القصوى التي يقوم بها ترامب لفرض التغيير في لبنان إلا أن قيام المسؤولين بتمرير الوقت بانتظار جو بايدن وكأن الأمور في لبنان ستنقلب رأساً على عقب، يبدو ساذجاً وخطيراً في آن، للأسباب التالية:
أولاً - العامل الاسرائيلي: من الخطأ الاعتقاد ان بايدن سيتراجع عما تمّ تحقيقه للاسرائيليين خلال عهد ترامب، بالعكس فإن تأييد اسرائيل في الولايات المتحدة يتخطى الانقسام الحزبي، ولقد حصل بايدن على ما يزيد عن 77 بالمئة من اصوات اليهود الأميركيين.
وعليه، إن اعتقاد البعض أن رغبة بايدن بالانفتاح على إيران ستقلب الأمور في لبنان وستغيّر نظرة إدارته الى "التهديد الذي يمثله حزب الله"، هو أمر خاطئ.
ثانياً- يرتبط الملف اللبناني بالملفين الايراني والسوري:
بالنسبة لإيران: قد تتأخر المفاوضات بين كل من إيران والولايات المتحدة الى ما بعد انتهاء الانتخابات الأيرانية في حزيران 2021، فإذا فاز الاصلاحيون، سيكون هناك بارقة أمل للشرق الأوسط بوجود قيادتين تعتمدان الدبلوماسية في كلا البلدين، أما إذا فاز المحافظون، فذلك قد يعرقل مفاوضات العودة الى الاتفاق النووي... وبكلا الحالتين، سيتأثر كل من لبنان والعراق بهذا الأمر.
بالنسبة لسوريا، من الصعب جداً أن نجد تغييراً في السياسة الأميركية تجاه سوريا بعد مجيء بايدن. من الصعب على بايدن أن يلتف أو يعطّل "قانون قيصر" هو قانون صادر عن الكونغرس الأميركي، هذا إذا كان يودّ ذلك بالفعل.
لن يكون هناك رغبة أوروبية أو أميركية لتخفيف العقوبات على سوريا بعد رحيل ترامب، بل سيبقى الأمر مرتبطاً بمطالب غربية (صعبة التحقق) وبوجود الأسد، بالإضافة الى نظرة إدارة بايدن للنفوذ الروسي في المنطقة، والتواجد العسكري الايراني الذي سيترك أمره لما بعد بدء المفاوضات مع إيران.
إذًا، إن قيام اللبنانيين بدفن الرؤوس في الرمال ومحاولة تقطيع الوقت الى كانون الثاني المقبل، يبدو نوعاً من الوهم... قد تكون الأمور أسهل بالنسبة للمبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة، لكن الصعوبات الاقتصادية التي سببتها السياسيات المالية اللبنانية والفساد وتهب المال العام، وفاقمتها ضغوط ترامب القصوى تحتاج الى وقت أكبر بكثير لتجد طريقها الى الحلّ، وبالتالي على المسؤولين اللبنانيين محاولة التفكير بحلول جذرية، وليس انتظار الفرج من الخارج، والذي قد يتأخر أو قد لا يأتي أبدًا.