تبذُل إِسرائيل قُصارى جهدها، لفرض سيطرتها الدّائمة على "هضبة الجولان"، الّتي تُعدّ مصدرًا رئيسيًّا للمياه. وقد بات معروفًا أَنّ مسأَلة المياه مثّلت أَحد أَهمّ الأَسباب الرّئيسيّة للخلاف الإسرائيليّ–السّوريّ، الّذي صعّدته إِسرائيل في اتّجاه حرب 1967، بعد ما اتّهمتها دمشق بتحويل منابع نهر الأُردن لمصلحتها.
وتقع هضبة الجولان في بلاد الشّام بين "نهر اليرموك" من الجنوب، وجبل الشّيخ من الشّمال، وهي تابعة إِداريًّا لمُحافظة "القنيطرة" (كليًّا في ما مضى وجُزئيًا الآن)، وهي بالتّالي جزءٌ مِن سوريا وتتبع لها. ومُنذُ حرب 1967 احتلّ الجيش الإِسرائيليّ ثُلثي مساحتها، وعُدّت -من الأُمم المُتّحدة- من ذلك الحين، أَرضًا سوريّةً مُحتلّةً، تُطالب الحُكومة السّوريّة بتحريرها وإِعادة السّيادة عليها.
الأنهُر غير المالحة
الصُّخور المُنتشرة على سطح الجولان، هي صُخورٌ بازلتيّةٌ ناتجةٌ عن انفجاراتٍ بُركانيّةٍ. ولكنّ للجُولان تاريخًا جيولوجيًّا أَطول بكثيرٍ، إِذ يقسمه العلماء إِلى الفترة "الكارتيكونيّة" (قبل 65-135 مليون عام) وقد غطّتها صُخورٌ كلسيّةٌ تظهر في منطقة جبل الشّيخ، ومِن ثمّ الفترة الـ"أوكنيّة" (قبل 44-50 مليون عام) حين غمر البحر أَجزاء مِن المنطقة فتشكّلت صُخورٌ كلسيّةٌ ومِن ثمّ انحسرت المياه إِلى الغرب، لتعود ثانيةً في فترة الـ"الأوكن المُتأَخّرة" (قبل 35 مليون عام) آتيةً هذه المرّة مِن الشّرق أَي الخليج العربيّ. وفي فترة الـ"ميوكن" (قبل 25 مليون عام) انحسرت المياه مرّةً أُخرى، وتشكّلت طبقتان من التُّراب: طبقةٌ صفراء مفتتةٌ تنتشر جنوب الجولان، وطبقةٌ تصل سماكتها إِلى 250 م.، وتختلف تركيبتها من منطقةٍ إِلى أُخرى. وقبل 5 مليون عامٍ، تشكّل لسانٌ بحريٌّ امتدّ مِن منطقة "حيفا"، ليغمُر قسمًا مِن الجولان، فتشكّلت بُحيراتٌ وأَنهرٌ ذات مياهٍ غير مالحةٍ. وقد بدأت الانفجارات البُركانيّة في جنوب الجولان قبل 4 مليون عامٍ، ومِن ثمّ امتدّت تدريجيًّا إِلى الشّمال والشّرق. وبحسب الاختبارات الإِشعاعيّة، فقد وقع آخر انفجارٍ بُركانيٍّ في الجولان قبل 4 آلاف عامٍ، إِلى الشّمال-الشّرقيّ. والجولان اليوم منطقةٌ بُركانيّةٌ "نائمةٌ" قد تنشط في يومٍ مِن الأَيّام.
الجولان المُحتلّة
كانت هضبة الجولان ضمن حُدود فلسطين الانتدابيّة، عندما تمّ الاعتراف بالانتداب رسميًّا في العام 1922، ولكنّ بريطانيا تخلّت عن الجولان لفرنسا بمُوجب الاتّفاق الفرنسيّ-البريطانيّ في 7 آذار 1923. وأَصبحت الهضبة تابعة لسُوريا بعد إِنهاء الانتداب الفرنسي في العام 1944. وبعد رسم الحُدود الدّوليّة في 1923، بقيت منطقة الجُولان داخل الحُدود السُّوريّة، استنادًا إِلى اتّفاق "سايكس–بيكو" (بتعديلاتٍ قليلةٍ) بين بريطانيا وفرنسا، اللتَيْن احتلّتا بلاد الشّام من الدّولة العُثمانيّة بعد الحرب العالميّة الأُولى...
وفي 5 حُزيران 1967، اندلعت "حرب 1967" بين إِسرائيل وكُلٍّ مِن سوريا والأُردن ومصر. وبعد 4 أَيّام، ومع نهاية المعارك في الجبهتَيْن المصريّة والأُردنيّة، غزا الجيش الإِسرائيليّ الجُولان واحتلّ 1260 كلم2 من مساحة الهضبة، وضمنًا مدينة القنيطرة. وفي 1974، أَعادت إِسرائيل إِلى سوريا، مساحة 60 كلم2 مِن الجولان، تضمّ "القنيطرة" وجوارها وقرية "الرّفيد"، في إِطار اتّفاق فكّ الاشتباك. وفي كانون الأَوّل 1981، قرّر "الكنيست الإِسرائيليّ" ضمّ الجُزء المُحتلّ من الجُولان الواقع غرب خطّ الهدنة 1974 إِلى إِسرائيل، وفي شكلٍ أحاديّ الجانب، ومعارضٍ للقرارات الدّوليّة... وما زالت الأُمم المُتّحدة تُشير إِلى هضبة الجولان باعتبارها "أَرضًا سوريّةً مُحتلّةً".
وتبلغ مساحة المنطقة الّتي ضمّتها إِسرائيل 1200 كلم2 من مساحة سوريا بحدود 1923 البالغة 185,449 أَلف كلم2، وهو ما يُعادل 0,65 في المئة مِن مساحة سوريا، ولكنّه يُمثل 14 في المئة مِن مخزونها المائيّ قبل 4 حزيران 1967. كما وأَنّ الجُولان هو مصدر ثُلث مياه بُحيرة طبريّا الّتي تُمثل مصدر المياه الأَساسيّ لإِسرائيل والأَراضي الفلسطينيّة.
إِلى ذلك يطمع الإِسرائيليُّون بهضبة الجولان، لأَنّهم يرون أَهميّةً كبيرةً في السّيطرة عليها، لما تتمتّع به مِن موقعٍ استراتيجيٍّ. لذا فالمنطق يقول، إِنّ المُناورات الّتي تُجريها إِسرائيل بين الفينة والفينة، تحت عُنوان "الجولان مقابل السّلام" أَو حتّى التّطبيع، لا يعدو كونه مُجرّد مُناورةٍ سياسيّةٍ لذرّ الرّماد في العُيون، إِذ قد تتنازل إِسرائيل عن الجولان كموقعٍ استراتيجيٍّ إِذا ما تمّ الاتّفاق مع دمشق على التّطبيع أَو السّلام، لكنَّها حُكمًا لن تتنازل أَبدًا عن مياه الجولان الّتي صنّعتها الطّبيعة هُناك، مياهًا حُلوةً بغير مُلوحةٍ. وللحديث صلة.