بسُهولة يُمكن تقسيم الجرائم الشخصيّة التي تكون عادة ناجمة عن خلاف فوري أو مُزمن، أو بهدف السرقة أو الإنتقام أو الأخذ بالثأر أو نتيجة ما يُسمّى "الدفاع عن الشرف"، إلى ما هناك من أسباب، عن الجرائم المُنظّمة التي تكون في أغلب الأحيان لأسباب أكثر عُمقًا وخُطورة. وجريمة يوم الإثنين في الكحالة، والتي راح ضحيّتها الشاب جوزيف بجّاني، تدخل في خانة الجرائم المُنظمّة، لأكثر من سبب. فماذا في المَعلومات المُتوفّرة؟!.
أوّلاً: الجريمة حصلت عن سابق تصوّر وتصميم، أي أنّ الضحيّة كان مُراقبًا، والجُناة كانوا في إنتظاره، بغضّ النظر عن الفترة الزمنيّة التي وُضع فيها تحت المُراقبة، وهم رسموا مُسبقًا خطة الهروب من المنطقة بعد تنفيذ الجريمة.
ثانيًا: أكثر من شخص تورّط في عمليّة القتل، كما ظهر في تسجيل كاميرات المُراقبة في موقع الجريمة، في ظلّ تضارب في تحديد عدد الجُناة الإجمالي. لكنّ الأكيد أنّ عمليّة القتل نفّذتها مجموعة وليس شخصًا واحدًا، وتردّد أنّ مجموعة أخرى كانت تؤمن الحماية الميدانية للمجموعة الأولى، من دون أن يتمّ تأكيد هذه المَعلومة من أيّ مصدر رسمي.
ثالثًا: تمّ إستخدام كاتم للصوت للمُسدّس الذي إستخدم في الجريمة، علمًا أنّ كواتم الصوت مَمنوعة في لبنان ولا يُمكن الحُصول عليها أو ترخيصها، ما يعني أنّ المُنفّذين ينتمون إمّا إلى عصابات ومافيات مُنظّمة أو إلى أحزاب وميليشيات خارجة عن سُلطة الدولة.
رابعًا: الشخص القاتل الذي أردى الضحيّة بجّاني، مُحترف وخبير في أعمال القتل، والدليل إطلاقه النار بدون تردّد وبدقّة، حيث أنّه أصاب رأس وقلب الضحيّة، في حين عمل من كان برفقته على سرقة هاتف الضحيّة قبل إخلاء الموقع.
خامسًا: الإكتفاء بسرقة هاتف الضحيّة(1) دليل جزئي على دوافع الجريمة، خاصة وأنّ بجّاني هو مُصوّر مُحترف، وقد يكون قام بتصوير "شيء ما" أغاظ المُجرمين أو أثار قلقهم من وُصوله إلى وسائل الإعلام أو إلى جهات رسميّة. إشارة إلى أنّ الجُناة عادوا ورموا الهاتف بعد وقت قصير، لمنع تحديد موقعهم، وبالتالي للحؤول دون تعقّبهم من قبل القوى الأمنيّة.
سادسًا: تردّد أنّ الضحيّة ثبّت أمام منزله كاميرات تصوير عالية النقاوة قبل فترة قصيرة من جريمة الإثنين، ما يستوجب المُتابعة لمعرفة مدى صحّة هذه الرواية، وما إذا كانت محض صُدفة أم ناجمة من خشية راودت الضحيّةفي المرحلة الأخيرة لسبب ما، او حتى ردًا على تهديدات قد يكون قد تلقّاها، إلخ.
سابعًا: تردّد أنّ الضحيّة بجاني زار إحدى البلدات الجنوبيّة الحُدودية في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وهي مَعلومة تستوجب المُتابعة أيضًا، لتحديد صحّتها، ولمعرفة الغاية من هذه الزيارة، وإذا ما تضمّنت أيّ محطّات تصوير، إلخ.
إشارة إلى أنّ جريمة تصفية بجّاني ليست الأولى من نوعها، حيث شهد لبنان سلسلة من الجرائم التي يُمكن ان تكون مُنظّمة بسبب وظائف الضحايا الذين إستهدفتهم، خاصة وأنّ منهم من كان ينتمي إلى السلك العسكري. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد جريمة قتل المَصرفي أنطوان داغر الذي كان مسؤولاً عن قسم "مُكافحة غسيل الأموال وكشف مخاطر الإحتيال المالي" في أحد المصارف اللبنانيّة المَشهورة(2)، وجريمة قتل العقيد المُتقاعد منير أبو رجيلي الذي كان قد تنقل في مناصب حسّاسة في إدارة الجمارك(3)، وجريمة قتل العقيد المُتقاعد جوزيف سكاف الذي كان بدوره قد تنقّل في مناصب حسّاسة في إدارة الجمارك، منها مهام مُكافحة تهريب المُخدّرات وتبييض الأموال(4).
وبالتالي، من الواضح أنّ بعض الجرائم هي مُجرّد جرائم عادية تحصل في أي مكان وفي أي زمان، لكن بعض الجرائم الأخرى هي مُنظّمة ومن تنفيذ مُنظّمات جرميّة مُحترفة. وليس من واجب الناس العاديّين، ولا حتى رجال الصحافة البت في هذه الأمور، بل على الأجهزة الأمنيّة العمل على كشف مُعطيات هذه الجرائم وإطلاع الري العام عليها. فهل من يَجرُؤ على كشف هذه الجرائم المُنظّمة المُتكرّرة، وعلى تحديد خلفيّاتها وأهدافها؟! والأهم هل من يَجرُؤ على مُحاسبة الجهات والمافيات والميليشيات التي تقف وراءها، أم علينا تقبّل واقع العيش بغابة لا سُلطة حازمة فيها، ولا هيبة للقانون، ولا أمان للمُواطن العادي أيضًا؟!.
(1) تردّد أنّ كاميرا المَغدور الخاصة سُرقت أيضًا، لكن لم تتأكّد هذه المَعلومة بعد.
(2) قُتل بآلة حادة في مرآب المبنى الذي يقطنه في الحازميّة في حزيران 2020.
(3) قُتل بآلة حادة في منزله الجبلي في قرطبا في كانون الأوّل 2020.
(4) قُتلنتيجة ضربة على الرأس في مرآب منزله في بيت الشعار في آذار 2017.