أشار بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، في رسالة عيد الميلاد بعنوان "رجاء الكون وافانا"، إلى "أنّنا نستقبل ميلاد المخلّص في هذا العام، كما في عيد الفصح وقيامة الرب في شهر نيسان الماضي، وقد فرض علينا الحجر والتباعد الاجتماعي والحذر الشديد مع القلق والخوف بسبب الوباء الكوني المعروف بفيروس "كورونا"، يلزم المؤمنين على البقاء في منازلهم وعدم التجمّعات، حتّى في إقامة الصلوات في الكنائس. إنّها دون شك نكبة لم يعرفها التاريخ منذ زمن طويل، وباء كوني سبّب الأوجاع ونشر الموت والرعب، وضاعَف الأزمات في العائلات والمجتمعات وأطاح بالأمن الاقتصادي في بلدان عدّة عبر القارات".
وشدّد على أنّ "ما يؤلمنا بشكل خاص، أن تأتي الإجراءات غير المعهودة في أكثر من بلد في الغرب المعروف بقيمه الأخلاقيّة والثقافيّة، الّتي تأسّست على كرازة إنجيل الخلاص والسلام، تلك البلاد المدعية بتطبيق الأنظمة الديمقراطيّة واحترام الحريّات الدينيّة"، مبيّنًا أنّ "هذه الإجراءات وبتساهل مستغرَب من قبل منظّمات المجتمع المدني والأحزاب وحتّى من بعض المسؤولين الكنسيّين، قد فرضت قيودًا أشبه بتلك الصادرة عن أنظمة استبداديّة، كإغلاق دور العبادة من كنائس وأديرة أو أقلّه تحديد أعداد ضئيلة من المؤمنين، مع أنّ قواعد التباعد والتعقيم في الكنائس تطبّق بأفضل ما يكون".
ولفت يونان إلى "أنّنا نشارك أبناءنا وبناتنا الّذين أُرغموا على الهجرة والإقامة في تلك البلاد، تأسفهم بل ألمهم بأن يحرموا من الذهاب للمشاركة في قداس عيد الميلاد، وهو من أهمّ الأزمنة المسيحيّة الّتي تجمع المسيحيّين لتمجيد المولود الإلهي، ناشدين العزاء في غربتهم والرجاء في معاناتهم والبهجة الروحية والسلام".
وركّز على أنّ "في شرقنا المعذّب الّذي يرجو في زمن الميلاد أن ينعم عليه مولود بيت لحم الإلهي بنعمة النجاة من النزاعات والأزمات المتكرّرة الدامية، وبإحلال العدالة والأمن لجميع المواطنين، نحن مدعوّون جميعًا أن نجدّد ثقتنا اللامحدودة بالمولود من العذراء مريم ميلادًا عجائبيًّا، هو المخلّص المنتظر، أمير السلام، القادر وحده على تنقية القلوب من الأنانيّة والتسلّط، فيجمع قلوب الأفراد والجماعات لما فيه خير أوطانهم".
وشدّد على أنّ "لبنان، هذا البلد الفريد الّذي كان يُحسد لجماله وإشعاعه الثقافي ورسالته، يمرّ منذ عامين بأحلك مراحله، ممّا يهدّد وجوده وكيانه: خلافات سياسيّة مغرضة وأزمات معيشيّة خانقة، وباء "كورونا" والتفجير المروّع في مرفأ بيروت الّذي أدّى إلى سقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى وعشرات الآلاف من المشرّدين، فضلًا عن الخسائر الماديّة الفادحة. أمّا الطبقة السياسيّة فهي متلهية عن كلّ هموم الناس بالدفاع عن مصالحها والتشبّث بمواقعها، وترفض الاستماع إلى صرخات الشعب الّذي يطالب بمحاسبة الفاسدين من المسؤولين، بل يصل إلى حدّ المطالبة برحيل الطبقة الحاكمة برمّتها".
كما ذكر يونان، أنّ "لبنان تميّز بتعدّد عائلاته الروحيّة ومكوّناته المذهبيّة الّتي سعت إلى بناء وطن حضاري، ينادي بالعيش الواحد المشترك ويؤمن خير المواطنين. لكنّه تحول، وللأسف الشديد، إلى تجمّع لطبقة احتكرت مواقع المسؤوليّة في الدولة والإدارة تحت ستار طوائف تسمّى "كبيرة" تحتكر مراكز القوّة، وتحمي أتباعها مستقويةً بالخارج؛ كلّ ذلك على حساب المصلحة الوطنيّة، واستهتارًا بحقوق الشعب الّذي لا حول له ولا قوّة بسبب النظام السائد".
وأفاد بـ"أنّنا نصلّي في هذا الزمن الميلادي، كي يهدي الرب جميع المسؤولين للعودة إلى ضمائرهم، فلا يكتفي المنادون بالإصلاح، وبينهم المدني والديني والإعلامي، بتعميم تهم الفساد والإخلال بالواجبات وخيانة الشعب على جميع من حملوا المسؤوليّة، بل بتسمية مواطن الفساد والكشف عن الأشخاص الفاسدين والمطالبة برفع الحصانة الطائفية عن كل من استغل مركز السلطة. عندئذ يستعيد الشعب ثقته بمصداقية الداعين إلى الإصلاح ويعود الرجاء إلى لبنان بميلاد جديد".