تؤكد كل المعطيات والمؤشرات التي رافقت وأعقبت الزيارة الأخيرة للرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا ولقائه غير المحمود مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أن تأليف الحكومة خرج عن السيطرة الداخلية، وبات معلقاً على التطورات المنتظرة في المنطقة وفي مقدمها تسلم الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن مفاتيح البيت الأبيض في العشرين من الشهر المقبل، من دون أن تكون هناك معلومات حاسمة وفي قبضة اليد من أن التوليفة الحكومية ستكون جاهزة قبل نهاية كانون الثاني، حيث انه ما من أحد يضمن بأن السياسة الأميركية مع الإدارة الجديدة، ستتغير تجاه المنطقة وعلى وجه الخصوص تجاه لبنان، إذ إنه وكما هو معلوم فإنه غالباً ما تبقى السياسة الأميركية تجاه الخارج على حالها سواء أكان الرئيس ديموقراطياً أم جمهورياً ولكن من الممكن أن تكون المقاربات فقط مختلفة.
وقد عكس كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله الأخير، الأجواء المحمومة التي تسيطر على المناخات في المنطقة حيث أن أفق الاشتباك الحاصل على أكثر من محور مفتوح على احتمالات من الممكن أن يؤدي حصولها إلى تغيرات جذرية في خارطة المنطقة. كما أنه أشار بوضوح إلى أن التفاهم الإقليمي أو الدولي حول الورقة اللبنانية بعيد المنال في الوقت الحاضر، وهو ما يطرح السؤال: هل سيكون في مقدور اللبنانيين حل أزماتهم السياسية والمالية والاقتصادية بأنفسهم؟ الجواب بالنفي واضح تماماً من خلال الجسور المقطوعة بين الأطراف المعنية على المستوى السياسي من جهة، وكذلك الانهيار الحاصل وبوتيرة كبيرة على المستويين المالي والاقتصادي، حيث عبّر عن ذلك بوضوح الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش في تغريدة عكس من خلالها الوضع الكارثي الذي يتحكم بالواقع اللبناني حيث قال: ان الوضعين الاقتصادي كما المالي، بالاضافة إلى النظام المصرفي في فوضى، وأن السلم الاجتماعي بدأ بالانهيار، كل ذلك يشي بأن الوضع اللبناني من جميع جوانبه يتجه إلى انحدار لم يألفه منذ الاستقلال حتى اليوم، حيث بات الخروج من المأزق يحتاج إلى معجزة، بعد أن أثبتت الوقائع أن المسار الذي تسلكه عملية التأليف، وكذلك المسارات التي يسلكها أهل الحكم في معالجة الوضعين الاقتصادي والمالي لا تطمئن على الإطلاق، بل بشرع الابواب أمام المخاوف من الإنزلاق أكثر فأكثر باتجاه الهاوية كلما تأخر الوصول إلى تفاهم يوصل الملف الحكومي إلى خاتمته السعيدة.
وإذا كان البعض من السياسيين قد سلّم بأن الملف اللبناني عُلق على خشبة الإدارة الأميركية الجديدة، وبات من المتعذر تأليف حكومة قبل النصف الثاني من الشهر المقبل أو الشهر الذي يليه، فان سياسيين واكبوا عن قرب حركة الاتصالات والمشاورات بشأن التأليف وصلوا إلى خلاصة حول الفشل في الوصول إلى تفاهمات سياسية مفادها أن رئيس الجمهورية يسعى لخلق اعراف جديدة في عملية التأليف تنهي القاعدة الدستورية التي تقول بأن الرئيس المكلف يؤلف ورئيس الجمهورية فقط يوقع، وهذه الاعراف التي يسعى اليها يريد من خلالها أن يكون شريكاً أساسياً وفعالاً في تأليف الحكومة. ويضيف هؤلاء أن الرئيس عون لا يحبذ أن يكون الرئيس الحريري رئيساً للحكومة إلى نهاية عهده، وفي المقابل فإن الرئيس الحريري لا يحب ولا يشعر أنه سيكون في مقدوره التعاون مع الرئيس عون.
ارتفاع معدلات الجريمة مؤشر خطير على إمكانية انفلات الأمور من عقالها
ولا يسقط هؤلاء السياسيون من حساباتهم أن يكون بعض جوانب الخلافات على التأليف مسألة رئاسة الجمهورية، حيث بدأ الحديث في الصالونات السياسية الضيقة عن إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية، وفي حال انتهت ولاية الرئيس وحكماً لن يجدد له فإن من سيحكم هو مجلس الوزراء مجتمعاً، ومن هنا يأتي الكباش السياسي القوي محلياً وخارجياً حول التوليفة الحكومية للمرحلة المقبلة، وهم يرون ان الحكومة لن تشكّل والحال هذه الا بالإكراه، بمعنى حصول حدث كبير يدفع الأطراف السياسية صاغرة إلى تأليف الحكومة، لأن هذا التأليف لن يحصل بسهولة، فمن لم يستطع التفاهم بالأمس لن يتفاهم اليوم خصوصاً وان المناخات الإقليمية والدولية كانت في الأسابيع الماضية أكثر ملاءمة للتأليف على عكس المناخات الحالية.
ويستغرب هؤلاء كيف أن البعض يراهن على متغيرات خارجية للشروع في حل الأزمات في لبنان، وهم يتساءلون: من الذي يضمن حصول تغييرات جوهرية في السياسة الأميركية تجاه لبنان؟ لافتين النظر الى ان العقوبات الأميركية فرضت على لبنان في عهد الرئيس باراك أوباما، حيث تمّ الحجر على أموال «حزب الله»، وبعض السياسيين من بينهم نواب في البرلمان اللبناني، ولنفترض أن الإدارة الأميركية الجديدة، ستعيد النظر في بعض القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب لا سيما في ما يتعلق بالعقوبات، فهذا لن يتم في غضون شهر أو ثلاثة أشهر بل يحتاج الى مدة طويلة، وهذا لن يكون في مصلحة لبنان حكماً.
من هنا، فإن هؤلاء السياسيين يرون أن الملف الحكومي وضع على رف الانتظار القاتل، وان المدى في ذلك ربما يكون طويلاً وبلا سقف زمني يخشى معه حصول تطورات سيئة على المستويات الأمنية والاقتصادية في الداخل والاقليم، حيث لا يُمكن عزل لبنان عمّا يُمكن ان يحصل في المنطقة من تطورات.
ويتوقف هؤلاء عند ارتفاع معدلات الجريمة في لبنان، ويرون في ذلك مؤشراً خطيراً على إمكانية انفلات الأمور من عقالها على المستوى الداخلي في ظل الارتباك الحاصل على كل المستويات.