اشار سفير لبنان لدى الفاتيكان فريد الياس الخازن الى انه "لكلام قداسة البابا فرنسيس وقع كبير في الصحافة العالمية والأوساط الدولية المعنية بالشأن اللبناني، وتأثير داخل الكنيسة وعلى الرأي العام لاسيما في لبنان. الرسالة- النداء التي وجهها البابا إلى كافة اللبنانيين، عبر البطريرك الماروني بشارة الراعي، هي تعبير صادق عن اهتمام مميز بلبنان، وهو لا يخفي قلقه وحزنه على ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، وخصوصا بالنسبة إلى الشبيبة التي يوليها البابا اهتماما خاصا في رسائله العامة وفي الأنشطة التي يقيمها الكرسي الرسولي، وآخرها في المجالين الاقتصادي والتربوي. حرص البابا على لبنان وتعافيه من أزماته المتفاقمة ودعوته إلى عدم فقدان الأمل والثبات في الأرض والتمسك بالهوية، لا يوازيه سوى حرصه على العيش المشترك وكرامة الانسان، فيكون أهلا للدور والرسالة التي أرادها للبنان سلفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني. كما توجه البابا في رسالته إلى المجتمع الدولي داعيا إلى إبعاد لبنان عن النزعات الإقليمية".
وحول ما سبق الرسالة من تحرك للكرسي الرسولي، قال الخازن في تصريح له، "رسالة التضامن البابوية ليست وليدة اللحظة. فقد أرسل البابا فرنسيس أمين سر دولة الفاتيكان الكردينال بيترو بارولين إلى لبنان في أيلول الماضي، منتدبا عنه، للتأكيد على دعمه للبنان على أثر حادثة انفجار مرفأ بيروت الكارثية التي قتلت البشر ودمرت الحجر. وكان سبقها مبادرات عديدة للمساعدة قام بها البابا شخصيا ودوائر الكرسي الرسولي المعنية بالإغاثة والمساعدات الإنسانية، لاسيما في ما يخص المدارس ومراكز الرعاية الصحية. فلا مواقف تصدر عن الحبر الأعظم إلا وتكون قد أشبعت درسا، وهي تعكس إرادة الفاتيكان بمد يد العون بكافة الوسائل المتاحة، ماديا ومعنويا ودبلوماسيا. والمتابعة الدبلوماسية متواصلة باحتراف كامل، فلا تسرع في الفاتيكان ولا مبالغات في غير محلها. هذا مع العلم أن الكرسي الرسولي لا يوفر فرصة أو مناسبة إلا ويجدد دعمه للبنان وشعبه دون أن ينتظر أي شيء بالمقابل. باختصار، النفوس والنصوص تلتقي في مقاربات الكرسي الرسولي للشؤون الدولية، ما يعطيها الصدقية والفعالية".
وعن متابعة التحرك الدبلوماسي للكرسي الرسولي، قال الخازن: "نفوذ الكرسي الرسولي معروف وكذلك التأثير في مراكز القرار التي تربطها علاقات وثيقة بحاضرة الفاتيكان. إلا أن الفاتيكان لا يسعى أن يحل مكان اللبنانيين في إدارة شؤونهم الداخلية، وتفاصيلها اليومية لا تعنيه. وهذا الواقع ينطبق أيضا على المجتمع الدولي بشكل عام وعلى طريقة مقاربته للأوضاع اللبنانية المأزومة، ومنها فرنسا، صاحبة المبادرة المدعومة من غير طرف دولي. القراءة الدولية متقاربة فيما يخص الفاتيكان وفرنسا، أو سواهما. لسان حالهم: ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم ونحشد الدعم الدولي المطلوب. كلام البابا المحذر والمنبه واضح بهذا الخصوص، والكلام الفرنسي أكثر وضوحا وحزما. فمنذ أسابيع قليلة، زار وزير خارجية فرنسا الفاتيكان واجتمع بكبار المسؤولين، ومن البديهي أنه تم تناول الشأن اللبناني. التشاور بين فرنسا والفاتيكان ليس بالأمر الجديد، ولا مبادرات فاتيكانية منفصلة عن المبادرة الفرنسية. فما من متابع مسؤول للأوضاع اللبنانية إلا ويدرك أن أزمات لبنان مصدرها الأساسي داخلي، لاسيما في المجالات الاقتصادية والمالية، وان كانت بعض مفاتيح الحلول، خصوصا الأبعد مدى منها، خارجية".
ولفت الى انه "لا بد أن يعلم اللبنانيون، لأي جهة انتموا، ان أولوياتهم وحساباتهم تختلف عن أولويات المجتمع الدولي وحساباته. أزمات لبنان يعاني منها اللبنانيون وليس المجتمع الدولي. الواقع أن الاعتبارات والمسائل تبدلت عما اعتاد عليه أصحاب القرار في لبنان، قياسا إلى مراحل سابقة، لاسيما وأن الأزمة الاقتصادية العالمية بسب وباء كورونا لم توفر حتى الدول الأغنى والأكثر استقرارا. فالدعم اليوم مرتبط بالتزامات واضحة من الطرف اللبناني وبمعايير الشفافية والنزاهة، وعنوانها الأبرز وضع حد للهدر والفساد. وهي معايير يضعها البابا فرنسيس على رأس أولويات حبريته، وتحديدا في عمل دوائر الكرسي الرسولي في الداخل ومع الخارج، وخصوصا الدوائر المعنية بإدارة أموال الكنيسة وممتلكاتها".
أضاف: "العلاقات بين لبنان والكرسي الرسولي في أحسن حالها، والتواصل دائم مع المسؤولين الكبار المعنيين بلبنان. والمتابعة تتم في ملفات عديدة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، فضلا عن النزوح السوري وتداعياته وحوار الأديان وحقوق الانسان. ولا بد من الإشارة الى أن طبيعة أزمات لبنان في المرحلة الراهنة تختلف عن الأزمات السابقة التي شهدها لبنان في زمني السلم والحرب وفي المرحلة التي تلت الحرب. لبنان اليوم ليس ساحة حروب مشتعلة، مثلما كانت عليه الحال بين 1975 و1990، وان لم يكن بمنأى عن صراعات المنطقة، القديم منها والجديد. إلا أن الأزمات الكبرى في البلاد- المالية والاقتصادية والإدارة العامة والهدر والفساد وتغليب المصالح الخاصة على العامة (كما أشار البابا)، وعدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب- داخلية بامتياز، وهي تشكل نقطة الارتكاز الأولى لاستعادة الثقة والصدقية في الداخل ومع الخارج. الحبر الأعظم حريص بلا شك على العيش المشترك ومعانيه، ولكن قبل أن يكون العيش مشتركا (أو نموذجيا)، فلا بد ان ينعم اللبنانيون بالعيش اللائق، بلا عوز، بكرامة وأمان، فتستقيم الرسالة التي ينادي بها قداسة البابا فرنسيس وينشدها اللبنانيون".