في ظل الآثار التي يفرضها تغيّر المناخ، لا بد من تسليط الضوء على أهمية الغابات في مواجهة التغير المناخي على صعيد التخفيف من حدّة آثاره والتكيّف معها. تُوصف الغابات برئة الأرض، فهي تمتص ثاني أوكسيد الكربون وتعزله عن الجو مخفّفة بذلك الانبعاثات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري، والذي بشأنه يفاقم من تغير المناخ.
كما أن الغابات تشكل دورا مهما في تكيّف المجتمعات و النظم البيئية مع الآثار الناجمة عن تغير المناخ، حيث توفر خدمات عديدة كزيادة جودة المياه و كميتها، و الحد من تآكل التربة،والمحافظة على الانتاجية و غير ذلك.
سلسلة حرائق ٢٠٢٠
ولكن غطاء الغابات الذي يتمتع به لبنان في حالة متدهورة و رهناً لتغير المناخ و ما يصطحبه معه من تغيرات في العوامل المناخية كارتفاع متزايد في درجات الحرارة، وانخفاض نسبة الرطوبة، وسرعة الرياح، و غيرها من العوامل التي تجعل من غابات لبنان ضحية لكوارث الحرائق الممتدة على مساحات واسعة.
فسلسلة حرائق موسم ٢٠٢٠ التي شهدها لبنان سجّلت أرقاما صادمة لم يسبق و أن حصلت منذ أن وُجدت احصائيات حول هذا الموضوع، حسب ما ذكره مدير برنامج الاراضي والموارد البيئية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، الدكتور جورج متري في تقارير احصائية نشرت سابقا. خسر لبنان حوالي ٧١٣٢ هكتارا من الغابات والأراضي الزراعية، ما يوازي أكثر من سبعة أضعاف المعدل السنوي للحرائق (١٠٠٠ هكتارا)، وأكثر من الخسارة التي سُجلت عام ٢٠١٩ (٣٠٠٠ هكتارا).
أكد الخبير جورج متري لمنصة لوريان لوجور أن فترة الجفاف الطويلة خلال الصيف، و تزامن عدد الايام التي ارتفعت فيها درجات الحرارة بشكل غير مألوف مع الأيام التي اندلعت فيها الحرائق، بالاضافة الى هبوب رياح جافة و ساخنة، هذا كله شكّل الظروف المناخية المناسبة لشنّ هذه الحرائق الكبيرة و سرّع في امتدادها.
ومن الجدير بالذكر أنه لأول مرة في تاريخ لبنان وصلت الحرائق الى غابات مغطّاة بأشجار معمّرة كالأرز والعرعر، والتي نادرا ما تصل الى درجة الجفاف التي تتأثر بالحرائق. من المؤسف أنّ ٥٤ هكتارا من هذا النوع من الغطاء قُضي عليه، وما يزيد الأمر سوءا هو عدم تأقلم هذه الاشجار مع الحرائق، فمن الصعب أن تتجدد بشكل طبيعي بعد تعرضها لهذه الحادثة.
وصلت الحرائق الى غابات مرتفعة جدا لم تكن تصل اليها من قبل، و ذلك بسبب تغير الظروف المناخية. فازدياد الجفاف في المناطق المتضررة و فقدان خصوبة التربة أدى الى سرعة انتشار نيران ٢٠٢٠ التي أكلت ٤٤١ هكتارا من الاراضي الموجودة بين ١٥٠٠ و٢٢١٨ مترا فوق مستوى سطح البحر. صرّح نزار هاني مدير محمية الشوف للمحيط الحيوي لصحيفة ديلي ستار أن الحرائق في السنوات السابقة توقفت على ارتفاع ١٥٠٠ متر، و تم اخمادها بسبب الظروف الباردة التي تسمح للماء بالبقاء داخل التربة لفترة أطول.
هذا وناهيك عن خسارة ١٠٣٦ هكتارا من المناطق ذات التنوع البيولوجي التي تحتوي على أنواع نباتية مميزة معرّضة أحيانا للانقراض.
وضعت حرائق ٢٠٢٠ المزارعين في ظروف قاهرة، اذ ابتلعت ١٢٤٢ هكتارا من الأراضي الزراعية، و وصلت الى محيط المنازل، و أدت الى وفاة شاب من منطقة جزين تطوع لاخماد الحريق.
دور الحكومة
بعد تخطّي الحرائق المعدل السنوي المتوقع على مدار سنتين متتاليتين، وتقلّص المساحة الحرجية في لبنان من أكثر من ٣٠% الى حوالي ١٣%، استنادا الى احصائيات جمعية الثروة الحرجية و التنمية اللبنانية، يكمن السؤال: أين هو دور الحكومة من كل هذا؟.
لا شك أن هذه الكوارث كشفت خللا في ادارة الحكومة للغابات. ولقد ذكر عضو لجنة البيئة النائب عصام عراجي لصحيفة العربي الجديد أن الدولة لم تتحرك من أجل التجهيزات لمواجهة الحرائق منذ عام ٢٠١٩.هذا الأمر جعل الحكومة غير قادرة على التعامل مع سلسلة الحرائق التي اندلعتفي ٢٠٢٠.
وهناك اهمال في متابعة المعلومات حول مؤشر خطر الحرائق والتنبيهات الصادرة عن معهد البيئة في جامعة البلمند كما صرح الدكتور متري في تقارير نشرت سابقا. وأضاف أنه يجب على الجهات المعنية أخذ الاجراءات اللازمة، تبعاللقانون، بحق من يقوم باضرام النيران في الغابات، خصوصا في فترة ارتفاع مؤشر الحرائق، فهذا النشاط يزيد من كمية العشب الجاف الذي يشتعل بشكل كبير مع اطلاق أي شرارة.
أما بالنسبة للدفاع المدني فهو أيضا مهمل، حيث حوالي ٣٠% من سياراته كانت معطلة اثناء اندلاع الحرائق، عدا عن أن معداته غير مأهلة لاخماد هذا النوع من الحرائق، فهي أكثر لحرائق المدن. وقال الخبير جورج متري لمنصة لوريان لوجور: "ان نقص الموارد المالية يحد من قدرة الدفاع المدني على صيانة المركبات أو حتى ملئها بالوقود".
توصيات للاستجابة المبكرة
بما أن الدفاع المدني هو الجهاز الاساسي في اخماد الحرائق، يجب تمكين طاقمه بالمعدات والمهارات اللازمة للتعامل مع حرائق الغابات، و تزويده بسيارات صغيرة مجهزة لدخول الغابات. كما يوصي الخبير الدكتور متري بمتابعة المعلومات حول مؤشر خطر اندلاع الحرائق.
هذه التوصيات من شأنها تعزيز الاستجابة المبكرة عند انلاع الحرائق، و تساعد الحكومة على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لادارة حرائق الغابات،اذ أن واحد من أبعاد هذه الاستراتيجية هو الاستجابة.
مقابلة مع عمر أحمد الشيخ- مزارع متضرر من الحرائق- ضيعة عين تنتا في عكار
برأيك، هل الحريق مفتعل أم بسبب تغير المناخ؟
"المناخ الو تأثير بس الحرايق عم تكون مفتعلة أكتر. في تغير مناخ مزبوط، بس في ناس عم تستفاد من يلي عم يصير و عم تشعل نار لانو النار شعلت بالليل ما شعلت بالنهار."
ما هي الأضرار التي واجهتها بسبب الحريق؟
"عنا كرم متل مهوي احترق فيو زيتون و صنوبر و خرنوب و في لوز. هيدولي اكتر شي موجودين."
من ساعدكم على اخماد الحريق؟
"الأهالي. الدفاع المدني تأخر هاي المرة اجا بعد بيوم، ما بنلومو يمكن لأن كان في حرايق بمناطق تانية بلبنان. و آخر شي الحريق وصل على الطريق العام و طفى لوحده."
برأيك، هل الحريق الذي حصليزيد من درجة تغير المناخ؟
"أكيد الأرض لما بتحترق كل سنة بتحسي الشوب عم يكتر عنا اكتر من مناطق غيرنا. أنا ما عندي فكرة عن هاد الموضوع بس بالنهاية مثلا بالضيعة أرضنا حرجية عم يحترق فيها كل أنواع الأشجار البرية و المثمرة."
ما الفرق الذي وجدته بين هذا الحريق و الحرائق السابقة؟
"بالأول ما كان يوصل الحريق على النصب، هاي السنة وصل و احترق كزا كرم ما بس يلي الي. كنا قبل نقدر نسيطر على الحريق، هيدي السنة ما قدرنا نسيطر، و يلي صار بالنسبة النا من عشر سنين ما صار. و أنا كان رح يرحلي ولد بالأرض، غمي و ما نتبهنالو لولا الله بعتلنا واحد فلاح اجا و طلعوا من الأرض. نحنا بصير عنا حرايق كتير بس ما حدا بطلع فينا، و شايفة كيف كل شي واقف بالدولة، و ما عم تحاول تساعدنا بشي بالنسبة النا كمزارعين".