" السياسة ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والجغرافيا ثابتة لا تتغير" – ( نابوليون بونابرت).
أدى النظام المصرفي في لبنان، دوراً أساسياً في الإقتصاد الوطني، حيث لا تزال المصارف مهيمنة على النظام المالي للبلاد، وكانت المموّل الأكبر للأفراد والمؤسسات. وكانت الجمهورية اللبنانية مرتبطة مالياً بفرنسا قبل الإستقلال في العام 1943، ثم أضحى النظام المذكور، أشبه بمركز تحويل أموال "البترودولار"، أي دول الخليج، في عملياتهم التجارية مع الخارج، بالتزامن مع نشاط خط "الترانزيت" من لبنان في إتجاه العراق والخليج، مروراً في الأراضي السورية.
وفي سياق المتابعته لتطور هذا النظام عبر العقود الزمنية الفائتة، فقد بدأت الأموال الخليجية بالضمور في المصارف اللبنانية، منذ بداية نشوء مصارف تجارية في دول الخليج في سبعينيات القرن الفائت، ويشكل النظام المصرفي في دبي اليوم أكبر الأنظمة المصرفية العربية.
لذلك من البديهي أن لا مصلحة خليجية وإمارتية تحديداً، بإعادة قيام النظام المصرفي اللبناني المترهل راهناً، خصوصاً في ضوء إتساع "موجة التطبيع الخليجي وسواه مع العدو الإسرائيلي". فقد تقيم دول الخليج خطوط نقل تجارية بحرية بينها وبين المنطقة، عبر الموانئ الفلسطينية المحتلة. وهنا يؤكد مرجع إستراتيجي أن الهدف من ضرب القطاع المصرفي ثم تدمير المرفأ، هو لشطب وظيفة لبنان ودوره التاريخي في المنطقة والعالم.
أمام هذا الواقع، وبعد فقدان الثقة بالمصارف اللبنانية، بفعل الحصار المالي الأميركي على لبنان، أثر تصفية "جمال ترست بنك"، ثم اندلاع موجة الاحتجاجات والشغب في أواخر العام 2019، التي طاولت المصارف اللبنانية، يجزم باحث في العلاقات الدولية أنه ليس أمام لبنان من وسيلة، لتخفيف أعباء الأزمة الإقتصادية التي يرزح تحتها، إلا الانفتاح على سورية، وإعادة تطوير العلاقات معها، خصوصاً لجهة عقد تفاهمات إقتصادية، تصب في مصلحة البلدين، كما جاء في معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق الموقعة في أيار 1991.
ولا يستبعد الباحث أن يتحول لبنان بالنسبة لسورية، الى حال يشبه "هون كونغ" بالنسبة للصين من الناحية الاقتصادية، إذا كان لدى المسؤولين المعنيين في لبنان جرأة التسليم بالمصالحة مع الجغرافيا على حد قوله. أي قد يشكل لبنان بنظامه الاقتصادي والمالي الحر، نافذة مالية – إقتصادية لسورية على العالم، وهي في حاجةٍ الى ذلك، للإسهام في الخروج من أزمتها، ويستفيد لبنان من التحويلات المالية السورية، خصوصاً أن النخب السورية، لم تسمح بقيام منظومة مالية رأسمالية، تتحكم بمفاصل الإقتصاد الوطني السوري، كما هو الوضع في لبنان، وذلك بهدف حماية قطاعات الإنتاج (الصناعة و الزراعة) من أي شكلٍ من أشكال الإحتكار والمضاربة، على حساب حياة المواطنين. كذلك يمكن تبادل المنتوجات الزراعية والصناعية بين البلدين، لكن الأمر متوقف على مبادرة المعنيين في لبنان الى إتخاذ هكذا خطوة، والإ نحن ذاهبون الى مجاعة 1914، على حد تعبيره، يختم الباحث.
بالإضافة الى ذلك، فإن إعادة تطوير العلاقات بين البلدين، وفقاً لمعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، يحد من عمليات التهريب أيضاً، وهنا يلفت دبلوماسي رفيع يعمل على خط العلاقة بين البلدين الى أن بعض المنتوجات الصناعية والزراعية السورية تدخل لبنان عن طريق معابر التهريب. إنطلاقا من هنا، تعلو أصوات التجار المحتكرين للمنتوجات المذكورة، المطالبة بقفل معابر التهريب بين البلدين، بذريعة مكافحة التهرب الضريبي. وينبه الدبلوماسي المذكور إلى أن الاقتصاد اللبناني آيل الى "السقوط الحر"، ولا حل جزئي وموقت أمام المعنيين في البلدين المذكوريين، إلا التوجه الى التزاوج في إقتصاد البلدين، ثم تطويره نحو تشكيل كونفدرالية إقتصادية في المدى الاستراتيجي، إذا سلم المعنيون، بالإحتكام لواقع الجغرافيا. وقد يكون ولوج بداية الطريق من خلال إعادة تطوير معاهدة الأخوة والتعاون، خصوصاً الشق الاقتصادي منها.
وفي السياق عينه، تؤكد مصادر سياسية سورية، أن التهريب يتم "غب الطلب" عادة، يعني حسب الحاجة، على سبيل المثال، يكون السوق الإستهلاكي في حاجةٍ الى مادة البنزين، فيتم تهريب كمية منها. وتؤكد المصادر أن التهريب، لا يؤسس مشاريع ولا شركات إقتصادية مشتركة، معتبرةً أن الحل لتدارك إرتدادات الإنهيار المالي في لبنان، والضيق الاقتصادي في سورية، هو إنشاء سوق مشتركة بين لبنان وسورية، قد يتوسع ليشمل دولاً عربية أخرى لاحقاً، وهذا من دون أدنى شكل، يسهم في تأمين الإكتفاء الكامل أو الجزئي من السلع الإستهلاكية.
وتلفت المصادر الى أن الطريق الأنجع لإعادة تطوير العلاقات بين البلدين، لاسيما الإقتصادية منها، هي من خلال إعادة تفعيل معاهدة الأخوة والتنسيق، التي تضمنت الغاء الرسوم الجمركية على السلع الإستهلاكية المتفق عليها. كذلك تبادل الخبرات واليد العاملة بين البلدين، تختم المصادر.
في المقابل، ترى مصادر أكادمية لبنانية، أن إقامة سوق مشتركة مع سورية في الوقت الراهن التي تتعرض فيه لعقوبات أميركية، حتماً سيرتد ذلك سلباً على الوضعين الاقتصادي والأمني قي لبنان، وسيضاعف الأميركيون مختلف أنواع الضغوط، خصوصاً الاقتصادية والأمنية على البلد.
وتعتبر المصادر أن الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان، من المفترض أن تشكل حافزاً، لإعادة تفعيل مختلف الفطاعات الإنتاجية فيه، زراعة، صناعة، وتربية الماشية ودواجن ... وفي حال بدأ يتحقق ذلك، يكون لبنان سلك الطريق في إتجاه الاقتصاد المنتج بدلا من الريعي.