بعد تفشي وباء كورونا في جميع انحاء العالم، وبعد أن اثار حالة من الهلع والخوف، كانت المطالب من قبل شعوب العالم اجمع، ومنهم لبنان بطبيعة الحال، الاسراع في ايجاد لقاح يحدّ من خطورة هذا الفيروس الذي اجتاح الكرة الارضية من اقصاها الى اقصاها. اليوم، وبعد نحو عام كامل على ظهور الوباء، تمكن العلماء من ايجاد لقاحات من قبل عدة شركات تنتمي الى عدة دول، وبدأ العمل على تسويقها بعد ان نالت الموافقة من قبل اعلى المرجعيات الصحية في العالم ومن ضمنها منظمة الصحة العالمية ومنظمات الصحة المحلية في اهم الدول. وبدل ان يسرّ اللبنانيون بهذا الخبر، واعلان الدولة ان لقاح "فايزر" سيتوافر في الاسواق اللبنانية بنسبة ضئيلة نسبياً في الفترة الاولى، تحوّلت المسألة الى قضيّة نزاع وانقسام بينهم حول ما اذا يجب اخذ اللقاح ام لا.
لا احد يمكن ان يفرض على اي انسان رأيه في هذا الموضوع، وهذا امر بديهي، اذ يحق لمن يرغب ان يتلقى اللقاح، كما يحق لمن لا يرغب اختيار عدم تلقيه. ولكن، لا يحق لاحد ان يخرج عن المنطق في اعطاء الاسباب التي تدفعه الى اتخاذ قراره، حتى ولو كان طبيباً، الا في حال كان طبيباً متخصصاً بالامراض الجرثومية في هذه الحالة، ويجب عندها ان يحاور زملاء له من مختلف انحاء العالم ليثبت وجهة نظره مع اهل الاختصاص. هل من الممكن لاي عاقل ان يقتنع بالدعوة الى عدم تلقّي اللقاح لانّ الاميركيين يريدون ان يقضوا على اللبنانيين؟ بربّكم، في القرن الحادي والعشرين، هل هناك فعلاً من يصدّق ان دولة كبيرة او الدول الكبرى ترغب في القضاء على اكثر من مليوني لبناني على الاقل دفعة واحدة، وان هذا المخطط الجهنمي السرّي كشفته حفنة من اللبنانيين، وتعلم كل اسراره وخفاياه؟ اليس من الاسهل العمل على اندلاع حرب اهليّة بين اللبنانيين انفسهم تقضي على مئات الالاف منهم من دون اي مسؤولية او شبهة على اي دولة؟.
اما من يدّعي ان اللقاح هو لجعل اللبنانيين حقل تجارب علميّة، نسأله: ماذا عن شعوب الدول الاخرى التي بدأت حملة التلقيح على نطاق واسع؟ هل هي ايضاً حقل تجارب؟ ولو تم تمرير اللقاح الى لبنان قبل دول اخرى، هل كانت شعوب هذه الدول نادت بعدم اخذه كي لا تكون حقل تجارب؟ واذا لجأنا الى المنطق ايضاً، من الواجب ان نسأل عن سبب الثقة بما تقوله منظمة الصحّة العالمية وغيرها من المنظمات الصحّية الدوليّة عن لقاحات معيّنة، فيما نرفض الوثوق بها في موضوع لقاح كورونا؟ من بين الاجوبة المنطقية على هذا السؤال والتي تستـأهل التوقف عندها، القول ان اللقاح لم يتمّ تجربته بشكل فاعل ومكثف على غرار غيره من اللقاحات، وعليه يجب انتظار وقت اطول بكثير للخروج بنتيجة مطمئنة. من الطبيعي ان يكون لايّ لقاح نتائج ثانوية، حتى تلك التي بات عمرها عقود من الزمن، ما زلنا نعاني من آثار جانبية لها، انما هذه الآثار تبقى اخف بكثير من الفيروس نفسه والمشاكل التي يسببها. وسنكون حتماً بعد سنوات قليلة لا تتجاوز اصابع اليد، مع لقاح لكورونا يحمل آثاراً جانبية اقل بكثير من الموجود حالياً، ولكن هذا لا يعني ان المتوافر اليوم لا يصلح او انه خطر على الحياة. واذا اخذنا على سبيل المثال اللقاح المضاد للانفلونزا والرشح، فهو يتطور كل عام، ويقال لنا انه يشمل اعداداً اكبر من السابق، ولكن لم يتم تجربته لسنوات وعلى الملايين، فكيف نثق به ونتلقاه بطيبة خاطر؟.
الامر الوحيد الذي يجب اخذ الحذر منه، هو الشقّ التجاري للموضوع، والمنافسة بين الشركات التي تعمل على "ضرب مصداقيّة" بعضها البعض والترويج الى انّ هذا اللقاح افضل من الآخر، وانه اقل خطراً على الصحة من سواه، وهو امر متوقع في مثل هذه الحالات، ومشروع الى حدّ ما.
في الخلاصة، فلنترك لكل شخص حرّيته ورؤيته بالنسبة الى اللقاح، ولكن حذار ان نتحمّل مسؤولية حياة آخرين فقط كي نظهر وكأنّنا مرجعيّة طبّية عالميّة.