يرتفع مُستوى تفاؤل الآمال الفلسطينية بتحقيق بوادر انفراج مع بداية العام 2021، بعدما كان الأسوأ على العالم، بفعل جائحة «كورونا»، لكنه في الوقت ذاته، الأقسى والأصعب الذي مرّت به القضية الفلسطينية منذ عقود من الزمن، التي واجهت أيضاً إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأكثر تحيّزاً لصالح الكيان الإسرائيلي من بين كل الرؤساء الأميركيين منذ نكبة العام 1948 وقيام الكيان الإسرائيلي، الذي يُمارس كل أنواع الاعتداءات والتهويد، والتطبيع العربي، وانشغال المُجتمع الدولي كل بقضاياه الخاصة، هذا في ظل استمرار نزيف الانقسام في البيت الداخلي الفلسطيني.
بقي رئيس دولة فلسطين محمود عباس صامداً، مُتمسّكاً بـ»فلسفة الصبر» التي أتقنها، مُؤكداً أهمية الانطلاق من تحصين البيت الداخلي، الذي يُقوّي المناعة، في مُواجهة كل المُخطّطات والمُؤامرات، ويُسقِط
الرهان على الانقسام البغيض، الذي استخدمه كُثُرٌ للتهرّب من الإلتزامات، أو الإمعان بغمد خنجر في الخاصرة الفلسطينية النازفة.
إصدار المراسيم الخاصة بالانتخابات، وفقاً للقانون: تشريعية، رئاسية الرئيس الفلسطيني لزف بُشرى يستعدومجلس وطني بالتتالي والترابط ، والتي كرّر تأكيد الإلتزام بها.
ووجّه الرئيس عباس دعوة لرئيس «لجنة الانتخابات المركزية» حنا ناصر للاجتماع به من أجل بحث الإجراءات الواجب اتباعها لإصدار هذه المراسيم.
وأنْ يلي ذلك بحث بعض التفاصيل التقنية.
ما الذي تغيّر؟
مُطّلعون على تفاصيل ما جرى أشاروا إلى أنّ الاتصالات لم تنقطع من أجل تقريب الفجوات، التي تُعتبر لوجستية، وليست ذات تأثير استراتيجي، فتكثّف بذل الجهود الفلسطينية الداخلية وعلى أكثر من صعيد، من أجل تذليل العقبات، شاركت فيها دول عربية ودولية، في طليعتها: مصر، الأردن، قطر، تركيا وروسيا.
وقد أفضت هذه الجهود إلى إقناع قيادة حركة «حماس» بالعودة إلى ما جرى التوافق عليه في اللقاء بين وفدَي «فتح» و»حماس» في اسطنبول يوم 24 أيلول/سبتمبر 2020 - أي إجراء الانتخابات بالتتالي وليس بالتزامن، وذلك بعد التوقف أمام هذه النقطة في اجتماعات القاهرة بين وفدَي الحركتين يومي 16-17 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
لكن التطوّر اللافت كان الرسالة التي تلقّاها الرئيس عباس، مساء السبت من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية، ونقلها أمين سر اللجنة المركزية لحركة «فتح» اللواء جبريل الرجوب، تناولت تأكيد إنهاء الانقسام وبناء الشراكة، وتحقيق الوحدة الوطنية من خلال انتخابات ديمقراطية بالتمثيل النسبي الكامل، انتخابات تشريعية، ورئاسية ومجلس وطني بالتتالي والترابط.
سريعاً، أعطى الرئيس عباس توجيهاته للرجوب بإبلاغ «حماس» ترحيبه بما جاء في الرسالة، وتأكيده التزام حركة «فتح» بمسألة بناء الشركة والوحدة الوطنية.
وتوجّه الرئيس عباس بالشكر إلى «الشقيقة مصر التي ترعى ملف المصالحة، والشكر موصول للدول الشقيقة والصديقة، قطر وتركيا وروسيا والأردن التي أسهمت بجهودها الخيّرة في تقريب وجهات النظر والتوصّل إلى الاتفاق المذكور».
تُدرك القيادة الفلسطينية أنّ هناك مُتغيّرات عديدة في العالم، خاصة مع إدارة أميركية جديدة برئاسة الرئيس جو بايدن، والمُنافسة في الداخل الإسرائيلي على سلب الحقوق الفلسطينية بمزيد من الاستيطان والقضم والضم والاعتداء والقرصنة والتهويد، والتطبيع والانشغالات الدولية!.
كم هي اللحظات الآن شبيهه بما جرى قبل اتخاذ قرار إطلاق الرصاصة الأولى وانطلاق الثورة الفلسطينية في العام 1965، بعد 16 عاماً على نكبة العام 1948، ومُحاولة إنهاء القضية ووضع اليد عليها، لكن كان فيها للصوت الترجيحي للرئيس «أبو مازن» مع رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون «أبو الأديب»، الفيصل القاسم بتحديد موعد انطلاقة الثورة الفلسطينية مع الفريق الذي قاده الرئيس ياسر عرفات وخليل الوزير «أبو جهاد»، في مُقابل جدل حول انتظار الدعم لإعلان الانطلاقة.
بعد 56 عاماً حوّلت تلك المسيرة النضالية النكبة من فعل جماهيري إلى ثورة مرّت بالكثير من المطبّات والأحداث والظروف الصعبة والقاسية، لكنها في كل مرحلة تنبثق مُتفجّرة بقوّة أكبر مُستفيدةً من تجارب الماضي وتضحيات القادة والأوفياء، لتكريس المُكتسبات بالاعتراف بالحق الفلسطيني في مُواجهة مُحاولات السيطرة والإمساك بالقرار الوطني الفلسطيني.
هكذا الرئيس «أبو مازن» دائماً يُركّز على الحاجة لتجديد الشرعية الفلسطينية والعمل المُؤسّساتي وتفعيله، وإنّنا يجب أنْ نكون في جهوزية تامة لمُواجهة المُتطلّبات كافة، وتحصين الموقف الفلسطيني يُساعد على تحقيق الكثير، من خلال إنهاء الانقسام والشراكة باحتضان الكل الفلسطيني.