كشف شبتاي ليفي الّذي كان عميلًا لشراء الأَراضي لحساب "الجمعيّة الفلسطينيّة للاستعمار اليهوديّ" (بيكا) الّتي أَسّسها البارون روتشيلد، في مُذكّراته، أَنّ "البارون أَشاد بنشاطه في سبيل شراء الأَراضي". وكتب ليفي يقول: "أَشار عليّ بأَن أُتابع نشاطي المعهود لكنّه قال إِنّ مِن الأَفضل أَلَّا نُرحّل العرب إِلى سوريا وشرق الأُردن، فهُما جُزءٌ مِن أَرض إسرائيل، بل إِلى بلاد ما وراء النّهرين (العراق)". وأَمّا رحبعام زئيفي، فقد قال في اجتماع "قيادة هيئة الأَركان الإِسرائيليّة: "علينا أَن نحصل على هضبةٍ نظيفةٍ مِن السُّكّان".
وبالتّالي فإِنّ "منطق الاستعمار الاستيطانيّ هو الإِزالة" بمعنى إِزالة السُّكّان الأَصليّين والجُلوس مكانهم بقُوَّة السّلاح. وإِنّ ما حدث في الجُولان، إِنّما هو تطهيرٌ عرقيٌّ حقيقيٌّ، مارسته إِسرائيل خلال عدوان 67 وبعده، بهدف استكمال المشروع الاستعماريّ–الاستيطانيّ-الصُّهيونيّ. وبالتّالي فما اعتُمد إِنّما هو محوٌ عنيفٌ ومُتصاعدٌ للمنطقة بأَكملها، استمرّ ما يُقارب السّتة أَشهرٍ الّتي تلت الحرب، حيث تضمّن هدم قرًى وقطع مصادر تزويد السُّكّان بالمياه والغذاء...
صناعة النّبيذ
ولا تقتصر أَهميّة الجولان على خزّان المياه في جوفها، بل وعلى صناعة النّبيذ، إِذ تُشير قاعدة البيانات التّابعة لـ "مركز الأَبحاث الإِسرائيليّ المُستقل" (Who Profits 18) إِلى وجود 73 شركة عاملة ومُستثمرة في الجولان ومُعظمها مِن القطاع الخاصّ، 48 منها إِسرائيليّة ومقرّها الرّئيسيّ في إِسرائيل، و17 شركة مقرُّها الرّئيسيّ في مُستوطنات الجولان السُّوريّ المُحتلّ، والعدد المُتبقّي يتوزّع بين شركاتٍ تقع مقارُّها في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وأُخرى عالميّةٌ: صينيّةٌ، وأَميركيّةٌ، وكوريّةٌ جنوبيّةٌ وهولنديّةٌ.
وأَمّا الاستثمارات الأَكثر حُضورًا في الجولان، فهي الاستثمارات الزّراعيّة، والصّناعات الغذائيّة والتّحويليّة المُعتمدة في غالبيّتها على الموارد الّتي تُوفّرُها طبيعة الأَرض في الجولان، حيثُ يُشكّل هذا المجال من الاستثمارات حوالي الثُّلث مِن مجموع ما يتمّ استثماره واستغلاله في مناطق الجولان، وهي نسبةٌ ليست بالبسيطة.
والمُلفت أَنّ كُلّ هذه الشّركات هي إِسرائيليّة ومقرّها «إِسرائيل» أَو مُستوطنات الجُولان والضفّة الغربيّة. ومِثال ذلك شركة (Aluma) الزّراعيّة الّتي تعمل على تصدير مُنتجات المُستوطنات مِن خُضارٍ وفواكه، وشركة (AssafWinery) لصناعة النّبيذ ومقرّها مُستوطنة «كدمات تسفي»، وشركة (BarkanWineries) العاملة في المجال نفسه، والّتي تُعتبر واحدةً مِن أَكبر مصانع النّبيذ في إِسرائيل، والّتي تستغلّ أَراضي جنوب الجُولان، للحُصول على العنب، وشركة (BazeletHagolanWinery) لتصنيع النّبيذ أَيضًا مِن عنب الجُولان، المشهور بجودته العالية ولذّته، وشركة (Beresheet) لزراعة الفاكهة الموسميّة وتسويقها، مثل التفّاح والكرز...، ولهذه الشّركة الّتي تتّخذ مِن الجُولان مقرًا لها، فُروعٌ كثيرةٌ في مُستوطناته.
لذا تأخُذ صناعة النّبيذ مِن العنب "الجُولانيّ"، الحيّز الأَكبر بين الاستثمارات والصّناعات. ذاك العنب الّذي هُجّر أَصحابه وطُردوا فحُرِموا منه في سياق استكمال مشروع الاستعمار الاستيطانيّ الصُّهيونيّ. بيد أَتّ ذلك لا يمنع تواجُد شركاتٍ أُخرى في قطاعاتٍ مُتنوّعةٍ في الجُولان، ومنها ما يعمل في مجال التّزويد بالغاز والكهرباء والماء مثل شركة ( Afekoil and gaz)، ومنها ما يعمل في مجال أَعمال البناء، مثل شركة (Agrotop)، وهي شركةٌ إِسرائيليّةٌ عالميّةٌ مُنخرطةٌ أَكثر في أَعمال بناء المُستوطنات في الأَراضي الفلسطينيّة المُحتلة، وشركة (Airbnb) الأَميركيّة العاملة في مجال حُجوزات السّكن السّياحيّة والّتي سحبت استثماراتها لاحقًا مِن الأَراضي المُحتلّة مُستجيبةً لدعوات "حركة المُقاطعة العالميّة"، وشركة (Altice) الهُولنديّة العاملة في مجال الاتّصالات السّلكيّة واللاسلكيّة، وهذه الشّركة مُتورّطة في العمل في مجالات السّيطرة والأَمن والمُراقبة. وثمّة عددٌ مِن المصارف مثل Bank ostar) hahayal ) الّذي يُقدّم الخدمات الماليّة والمصرفيّة إِلى المُستوطنين في الجُولان والضفّة الغربيّة وشرق القُدس...
وأَمّا بالنّسبة إِلى النّفط، ففي العام 2016 أَعلنت "لجنة المنطقة الشّماليّة"، أَنّها سمحت لشركة (Afek) الإِسرائيليّة باستمرار التّنقيب على النّفط في منطقة الجُولان المُحتلّ لعامَيْن اثنَين آخرين، على رغم الاعتراض الّذي قدّمته "جمعيّة الدّفاع عن البيئة"، بحجّة أَنّ القوانين واللوائح لا تُتيح للشّركة الاستمرار في التّنقيب لأَكثر مِن عامٍ واحدٍ، لما فيها مِن "أَضرارٍ على المياه والصحّة العامّة في إِسرائيل" بحسب تعبير الجمعيّة. فيما ردّت الشّركة بأَنّ استمرار الحفر يُتيح لها "التّأكُّد مِن وجود خزّان نفطٍ تجاريٍّ كبيرٍ في جنوب الجُولان"، ما قد يُؤَدّي إِلى انتعاشٍ اقتصاديٍّ وتقليصٍ للفجوات الاجتماعيّة في إِسرائيل".
مياه الجُولان
إِلى ذلك، ترفض إِسرائيل مُنذُ قيامها، الفصل بين ثلاث قضايا رئيسيّةٍ وهي: الأَرض والمياه والأَمن، في ما يخصّ الحُدود على وجه الخُصوص، وتعتبرها قضايا مُتّصلةً، ذات أَهميّةٍ واحدةٍ. ويُمثّل الجُولان خزّان المياه الاستراتيجيّ، ومصدر الثّروة المائيّة الرّئيسيّة بالنّسبة إِلى إِسرائيل، على ما أَكّد إِسحق رابين أَمام أَعضاء "الكنيست"، قائلًا: "ما مِن قُوّةٍ في العالم ستزيحنا مقدار أُنمُلةٍ، إِن لم يقم سلامٌ، سلامٌ حقيقيٌّ وسلام كاملٌ مع التّرتيبات الأَمنيّة(...) كان رأيي وما زال، أَن ثمّة قدرًا كبيرًا مِن المخاطر الأَمنيّة في أَيّ تنازُلٍ أَمنيٍّ لسوريا. نحن نضع الكثير في الميزان ــــــالأَمن والسّلام معًاــــــ لكنّنا لن نُوقّع أَيّ اتّفاق سلامٍ مع دمشق إِن لم نكُن مُقتنعين بأَنّ أَمننا مضمُونٌ". وكذلك جاء تأكيد بنيامين نتنياهو "أَهميّة السّيطرة على مصادر المياه، لتحقيق الأَمن المائيّ لملايين المُستعمِرين اليهود"، في قوله: "إِنّ مُعظم العُمق الاستراتيجيّ والثّروة المائيّة، هُما عُنصران مُهمّان أَيضًا، لدى الحديث عن مُستقبل هضبة الجُولان، فالجُولان تُسيطر على مصادر نهر الأُردن وبُحيرة طبريّا، أَي على 40 في المئة مِن احتياطيّ المياه في إِسرائيل والتّنازُل عن هذه السّيطرة، يعني أَن نضع في أَيدي السُّوريّين القُوّة لتجفيف إِسرائيل". وللحديث صلة.