على "تباين" جديد بين "حزب الله" و"التيار الوطنيّ الحر"، افتتح العام الجديد فصوله السياسيّة، بعدما كان قد أقفل على وعودٍ لم تُترجَم بعد على أرض الواقع، بتطوير التفاهم بين الجانبيْن، ظهرت "بشائره" في أعقاب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على رئيس "التيار" الوزير السابق جبران باسيل، بسبب علاقته مع "الحزب".
ففي وقتٍ لم يتردّد خصوم "حزب الله" في "استغلال" التصريحات المنسوبة لقائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، علي حاجي زادة، إنّ لبنان وغزة هما "الخط الأمامي للمواجهة"، والتي اعتبر الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أنّها تعرّضت لـ"التزوير والتحريف"، كان لافتاً دخول "العهد" على الخطّ استنكاراً واستهجاناً.
ولعلّ تغريدة رئيس الجمهورية ميشال عون جاءت واضحة في هذا السياق، لجهة أن "لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه وحرية قراره"، وقد فُسّرت في الأوساط السياسيّة على أنّها ردّ "مباشِر" على التصريحات الإيرانيّة، في قراءةٍ عزّزتها مواقف بعض الناشطين "العونيّين" التي ذهبت بعيداً في التصويب على "حزب الله" نفسه.
"لا شرق ولا غرب"!
صحيحٌ أنّ تغريدة رئيس الجمهورية جاءت عامّة، ومبدئيّة بل ربما مثاليّة في بعض جوانبها، لكنّ سياقها السياسيّ الواضح، وغير المعزول لا في الزمان ولا في المكان، لم يكن بحاجة للكثير من الفحص والتدقيق، بالنظر إلى توقيتها في "عزّ" الهجمة على تصريحات القائد في الحرس الثوري الإيراني، التي جاءت بالتزامن مع ذكرى مرور عام على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، والمخاوف من ردّ إيراني ينطلق تحديداً من الساحة اللبنانية.
ولكن، وبافتراض صحّة هذه التفسيرات والاستنتاجات والتأويلات، فإنّ "المُستغرب"، وفقاً للمحسوبين على "التيار الوطني الحر"، ليس موقف الرئيس عون، ومن خلفه "التيار" و"العهد" بصورةٍ عامّة، ولكن "استغراب" مواقف باتت تُصنَّف على أنّها "ثوابت" في قاموس "التيار"، الذي لم يتردّد في أيام عزّ "التحالف" مع "حزب الله"، بل في متن ورقة "التفاهم" التي أبرمها معه، على تأكيد "استقلاليّة" لبنان عن صراع المَحاور بشكلٍ عام، وهو صاحب مقولة "لا شرق ولا غرب" الشهيرة، في إشارةٍ إلى وجوب التموضع في النقطة "الوسط"، لا الرمادية، ولكن غير المتماهية مع أيّ محورٍ في مواجهة الآخر.
وإذا كان صحيحاً أنّ خصوم "الحزب" استغلّوا التصريحات الإيرانيّة للتصويب على الحزب، وقاموا على طريقهم بتحريفها وتزويرها بما يخدم "أجنداتهم" المناهضة لإيران ومن يمثّلها في لبنان والمنطقة، فإنّ ذلك لا يعني، وفقاً لـ"العونيّين"، أن يكون "السكوت من ذهب"، أولاً لأن "الساكت عن الحقّ شيطان أخرس"، كما تقول الأدبيّات التي يؤمن بها "حزب الله" قبل غيره، وثانياً لأنّ رئيس الجمهورية، من موقعه الدستوريّ بالدرجة الأولى، لا يمكن أن يقبل بأن يُسجَّل عليه أيّ تفريطٍ بالسيادة، بحُجّة الولاءات السياسيّة، وإلا شرّع باب "التدخلات" على مصراعيْه، ما سيضّر بـ "هيبة" الدولة بالكامل.
التباين أعمق؟!
مع أنّ التوضيحات "العونية" تبدو "مبدئيّة"، ومتناغمة مع المبادئ التي طبعت مسيرة "التيار الوطني الحر" النضاليّة التاريخيّة، وإن كان كثيرون يتّهمونه بـ"الانقلاب" عليها، منذ عودته إلى لبنان بعيد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وشكل التحالفات التي نسجها، فإنّ ثمّة في المقابل من يطرح علامات استفهام عن "خلفيّاتها"، باعتبار أنّ لا ردود مماثلة تُرصَد في مواجهة تصريحات السفراء الأجانب، ولا سيّما الأميركيّين، الذين "تمادوا" في الآونة الأخيرة في التدخل في "تفاصيل التفاصيل" الحكوميّة وغيرها.
من هذا الباب، ينطلق البعض للحديث عن "رسائل مبطنة" خلف "الاستنفار العونيّ" رداً على التصريحات الإيرانية، بوجهيْن غير بريئيْن، أولهما خارجيّ، بما ينسجم مع ما يُحكى عن "تموْضُعٍ" جديد فرضته العقوبات الأميركية على الوزير السابق جبران باسيل، الذي تشير بعض الأوساط إلى أنّه "تفاهم" مع الأمين العام لـ"حزب الله" شخصياً على شكلٍ جديدٍ للعلاقة في المرحلة المقبلة، يما يخفّف من "الإحراج" الذي تسبّبت به العقوبات، ويعزّز "الاستقلاليّة" في الأداء السياسيّ، علماً أنّ كثيرين يؤكدون أنّ هذا المنحى بدأ عمليّاً منذ ما قبل العقوبات، وتحديداً منذ بدء التلويح بها بشكلٍ أو بآخر.
لكن، بعيداً عن كلّ هذه القراءة والمقاربة، ثمّة من يعطي تفسيراً مغايراً بالكامل للاستنفار "العوني"، يوحي بأنّ "خلف الأكمة ما وراءها"، وإنّ أسباباً داخليّة تدفع إلى الاعتقاد بأنّ "التباين" بين "التيار" و"حزب الله" أعمق من تصريحاتٍ من هنا أو تدخّلاتٍ من هناك. ويشير البعض في هذا الإطار، إلى أنّ "التيار" ممتعض بشكلٍ أو بآخر من أداء "حزب الله" حكوميّاً، ولا سيما لجهة إصراره على "إيجابية" العلاقة مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، بما يوحي وكأنّ "العقدة" هي بين الأخير و"العهد" حصراً، علماً أنّ الأخير يحمّل "الحزب" مسؤولية تكليف الحريري بالدرجة الأولى، رغم عدم توافر المقوّمات المطلوبة.
"تفهُّم متبادَل"
ليست المرّة الأولى التي يصطفّ فيها "التيار الوطني الحر" إلى جانب خصوم "حزب الله"، رداً على تصريح مسؤولٍ إيرانيّ من هنا، أو تسريبٍ حول نظرة الإيرانيّين إلى المقاومة التي يمثّلها "الحزب" من هناك، لكنّه هذه المرّة اتّخذ أبعاداً مُضافة، أظهرتها بعض المواقف "العونيّة" التي اعتمدت سياسة "المزايدة" بشكلٍ بدا للبعض مُبالَغاً به، كقول الناشط ناجي حايك، متوجّهاً بوضوح إلى قيادة "الحزب"، "خلصونا من ربكم بقا".
إلا أنّ "الحركة" التي رُصِدت على خط "التيار-حزب الله" في الساعات الماضية، أعادت إلى الأذهان الحديث عن "تطوير التفاهم" بين الجانبيْن، والذي تقول بعض المعلومات إنّه "وُضِع على النار" بعد لقاءٍ جمع السيد نصر الله ورئيس "الوطني الحر" جبران باسيل خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولو لم يتمّ الإعلان عن ذلك، بانتظار الاتفاق على بعض التفاصيل، التي لا يزال النقاش حول آليّاتها قائماً بين قيادتي الحزبين.
وبين هذا وذاك، يبقى الأكيد، وفق ما يؤكد المقرّبون من الجانبيْن، أن لا "تداعيات" لمواقف اليومين الماضيين على العلاقة، التي ستحافظ على صورتها، مع "تفهّم" قيادة "حزب الله" لموقف رئيس الجمهورية، و"تفهّم" الأخير في المقابل، للاعتبارات التي ينطلق منها "الحزب"، بدليل تخصيص نصرالله جانباً أساسياً من كلمته الأخيرة للدفاع عن قائد الحرس الثوري، مقابل تأجيل "الملف اللبناني" برمّته إلى كلمةٍ لاحقةٍ...