منذ ما قبل بداية العام الحالي، سلم معظم الأفرقاء بعدم القدرة على تأليف الحكومة العتيدة قبل تسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن السلطة في 20 كانون الثاني الحالي، بالرغم من كل الظروف الضاغطة التي تستدعي ولادتها بأسرع وقت ممكن، سواء على المستوى المالي والإقتصادي والإجتماعي أو على المستوى الصحي، مع تزايد عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ في ظلّ حالة الإرباك التي تمرّ بها حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب.
بالتزامن، كانت البلاد تشهد حالة من الضعضعة السياسيّة تمثلت بالسجالات التي فتحت بين معظم الأفرقاء، لا سيما على مستوى فتح ملفات قضائية ذات علاقة بقضايا تُثار حولها شبهات فساد، حيث فُسر الأمر على أساس أنه تبادل رسائل سياسية يراد منها دفع بعضهم إلى تقديم تنازلات. إلا أنّ الجديد اليوم هو إنتقال حالة الإرباك هذا إلى الشارع، على شكل تحركات إستفزازيّة، من المرجّح أن تزداد في المرحلة المقبلة، أو على شكل إشكالات متنقلة بين المناطق.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الجميع يدرك بأن الأيام المقبلة ستكون عبارة عن وقت ضائع لا يمكن إستغلاله على المستوى السياسي بأيّ شكل من الأشكال، نظراً إلى أن الرهانات على التحوّلات الخارجيّة من جانب معظم الأفرقاء باتت واضحة، لكنها تلفت إلى أن هذه التحولات لا تبدو واضحة، بالنظر إلى الغموض الذي يكتنف المشهدين الإقليمي والدولي، سواء بالنسبة إلى إحتمال قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعمليّة عسكرية ضدّ إيران قبل نهاية ولايته، أو بالنسبة إلى إحتمال قيام الأخيرة بالرد على إغتيال قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني في العراق قبل نحو عام من اليوم، أو حتى بالنسبة إلى تداعيات المصالحة الخليجية التي حصلت.
إنطلاقاً من ذلك، تُفسر هذه المصادر صدور بعض المواقف غير المتوقعة، بين الحين والآخر، كمثل دعوة رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط إلى ترك "فريق الممانعة" يقود البلاد وحيداً، أيّ عملياً إعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن مهمّته من دون التعاون معه سواء على مستوى التكليف أو التشكيل، أو المزايدات التي حصلت بين الأفرقاء حول الدعوات إلى الإقفال العام في مواجهة فيروس كورونا المستجدّ، أو حتى الذهاب بعيداً في الإتّهامات السياسية التي تذكر بالمرحلة التي سبقت إنتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصاً بعد التفسير الملتبس لأحد قادة الحرس الثوري الإيراني.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، التداعيات التي رافقت التوترات، في الأيام الماضية، الناجمة عن حالة إرباك سببها الأساسي العجز وعدم وضوح الرؤية على المدى القصير، على مستوى بعض التحركات في الشارع، بالإضافة إلى السجالات التي ظهرت على مواقع التواصل الإجتماعي، أظهرت إمكانية إنتقال أيّ خلاف، مهما كان حجمه، إلى الشارع سريعاً، مع العلم أنّ الأخير قد يكون على موعد مع تحركات جديدة في المرحلة المقبلة، قد تؤجلها حالة الإقفال العام التي تبدأ اليوم، إنطلاقاً من العناوين الإقتصادية والإجتماعية، وهو ما حصل في عدد من المناطق مؤخراً خصوصاً في مدينة طرابلس.
في المحصّلة، لا تملك معظم القوى السياسية أي رؤية واضحة لمسار الأحداث المقبل، بعد أن وضعت كل رهاناتها على نتائج تسلم بايدن السلطة في الولايات المتحدة، في حين أنّ المنطقة تعيش على وقع القلق من إمكانيّة حصول مواجهة عسكريّة، محدودة أو موسّعة، في أيّ وقت، الأمر الذي يفتح الباب أمام إمكانيّة إنعكاس ذلك على الشارع اللبناني، على شكل توتّرات من غير المتوقّع أن تخرج عن إطارها الضيق.