ترمي إيران أوراقها واحدة تلو الأخرى، في محاولة لاكتساب أكبر حجم من النقاط لاستثمارها في أيّ مفاوضات مستقبلية. تمشي إيران بين الألغام، للحفاظ على الردع في مواجهة أميركا، ولتؤكد أن سياسة الضغط الأقصى المعتمدة من قبل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، التي هشّمت الإقتصاد الإيراني، لن تتمكن من إخضاع إيران خصوصاً في ملفي نشاطها الإقليمي وبرنامج صواريخها البالستية.
تأهب العالم، وتحديداً أميركا وإسرائيل، في الثالث من كانون الثاني، مع مرور الذكرى الأولى لاغتيال قائد قوّة القدس بالحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني على يد أميركا. التصريحات الإيرانية يومها، كانت كمّن يقرع طبول الحرب.
لا تعتبر إيران، ومن خلفها "محور المقاومة"، أن ضربة عين الأسد، رغم أهميتها الإستراتيجية، كافية لردّ اعتبارها، ويصف مساعد رئيس البرلمان الإيراني هذه العملية بأنها "انتقام لسيارة سليماني فقط"، إلّا أنّ حياكة الردّ الحقيقي، قد يطول، على طريقة السجاد العجمي الإيراني، وقد يكون قريباً على طريقة "عجميّ الماكينات".
في هذا الصدد، يتخوّف مراقبون إسرائيليون من أن الرد لا بد أن يكون خلال وجود ترامب في البيت الأبيض، لأنه بمعزل عن الصراع بين واشنطن وطهران الذي يمتد إلى عشرات السنين، إلا أن الأذى الذي ألحقه ترامب بالجمهورية الإسلامية، لا يمكن اعتباره شبيهاً بما سبقه، ابتداءً بالعقوبات الإقتصادية، مروراً بالحصار المالي والصحي، ووصولاً إلى اغتيال سليماني والعالم النووي محسن فخري زاده، الذي لم يكن ليحصل لولا الموافقة الأميركية، وهذه خطوات، جعلت الغضب الإيراني من هذا الشخص كبيراً.
من هنا، يرى المراقبون أن الفرصة الذهبية أمام إيران للرد على ترامب سيكون في 19 كانون الثاني المقبل، أي قبل يوم واحد من استلام الرئيس المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم. في تشبيه بسيط، في ذلك اليوم، ستكون المباراة بين الطرفين في دقائقها الأخيرة، وسيكون أيّ رد إيراني بمثابة هدف في الدقيقة الأخيرة، لن يتمكن ترامب من الردّ عليه.
لن يتمكن ترامب من الرد إذا حصل ذلك. ولن يقوم بايدن، على الأرجح بالردّ، لأن ذلك، سيصعّب الملف الإيراني أمامه، وسيكون طريقه هنا مليئاً بالعقبات خلال السنوات الأربع التي تنتظره. إذا، قد تلجأ إيران إلى صفع الرئيس الأميركي المُنتهية ولايته في أيامه الأخيرة، لكن المشكلة أن وجنتي بايدن هما اللتان ستحمرّان. قد تحمل هذه الضربة إذا حصلت، أسماء أحد "شهداء إيران" الذين سقطوا على يد ترامب أو موافقته كسليماني وفخري زاده.
قد لا تحصل هذه الضربة، وقد تبقى في إطار التحليلات والتوقعات، إلا أنّ إيران لم تقف مكتوفة الأيدي في الأيام الماضية، وتستمر في الضغط على ترامب واسرائيل ودول الإقليم، لتؤكد أنها لن تتنازل أو ترضخ لأي ضغوط.
شغل بال العالم كله، إعلان الحكومة الإيرانية يوم الإثنين رفع مستوى تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو بنسبة 20 بالمئة. هذه الخطوة، جاءت استجابة للقانون الذي أقره البرلمان الإيراني بعنوان "خطة رفع العقوبات". وبعد 12 ساعة من هذا الإعلان، كشفت منظمة الطاقة النووية في إيران أنها حصلت على الإنتاج الأول لليورانيوم مرتفع التخصيب، وهي النسبة الأعلى التي تصل إليها إيران في تاريخها.
رغم نفي إيران الدائم عن سعيها لامتلاك السلاح النووي، إلا أن هذه النسبة أنذرت العالم، بالقدرة التي باتت موجودة. أرادت من فعلتها هذه إيصال عدة رسائل، أولا تجاه أميركا، لتثبت لها عزمها الإستمرار في المواجهة وعدم الرضوخ، ولتأكيد الردع رغم كل الصفعات التي وجهتها واشنطن.
ثانياً، نحو الإتحاد الأوروبي، الذي لم يلتزم ببنود الإتفاق النووي، والذي كان راضخاً بشكل دائم للمواقف والتهديدات الأميركية، ثالثاً، للمنظمات الدولية، للتأكيد أنه عند التزام ايران باتفاق دولي كالاتفاق النووي، فهي جاهزة لتقديم كل التنازلات إذا تنازلت الأطراف الأخرى، لكن في حال تخلفّت باقي الدول، فهي ليست مكسر عصا بل يمكنها تحدي الجميع، حسب تعبير مسؤوليها. والرسالة الأهم هي نحو الداخل، للتأكيد أن النظام لا زال قوياً، وأن رغم كل الضغوطات الخارجية، فالحلول موجودة داخل إيران. وهذه النظرية الأخيرة، يتبناها الفريق الأصولي في الجمهوريّة الاسلامية.
بناء على كل هذه الصورة العامة، فالأكيد أن الأيام المقبلة لن تكون سهلة. قد لا يحصل أي شيء، وفقاً لنظرية أن الذي يهدد لا يفعل، إلا أن حدة التوتر قد تصل إلى أوجّها، والحلول لن تكون قريبة. على رغم فصل الشتاء الذي نعيشه مع بداية العام 2021، فإن الحرارة في منطقة الخليج بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام، يمكن أن تصل إلى نقطة الغليان قبل نهاية ولاية ترامب.