لم تتم المصالحة بين المملكة العربية ​السعودية​ ودولة قطر بصورة مفاجئة وغير متوقّعة. كان يعلم كل مراقب أن جهوداً كويتية عظيمة لم تتعب، ولم تتراجع يوماً، فإستمرّ أمراء دولة ​الكويت​ في المحاولات لإجتياز المطّبات ​الخليج​ية والخارجية التي كانت تعيق طريق المصالحة، وجهّزوا طويلاً الأرضية لحصول تلك الخطوة، بعدما تفرّغت الكويت لإتمام خطوات لم الشمل الخليجي.

ساعدت الكويتيون وقائع إقليمية ودولية، ودفعت بجهود مشروع المصالحة إلى الأمام، قبل تسلّم الرئيس الأميركي ​جو بايدن​ مقاليد سُلطاته في ​البيت الأبيض​، وهو المعروف عنه أنه لن يكون ودوداً مع الخليجيين، كما كان سلفه الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​. من هنا نجح الخليجيون في التسريع بخطوات لم الشمل، لإعتبارات عدّة أهمها: تريد ​الرياض​ إظهار حسن النية تجاه ​الإدارة الأميركية​ ​الجديدة​، وتُنهي بالوقت نفسه نزاعاً سياسياً، لم ولن يجدي لا خليجياً ولا إقليمياً. خصوصاً أن المملكة أيقنت أنّ ​تركيا​ تستغل ذاك الخلاف للدخول السياسي والإقتصادي والإجتماعي في مساحات الخليج.

لكن هل تتفرج تركيا؟ منطقياً لا مصلحة ل​انقرة​ بحصول أي تقارب خليجي-خليجي، ولا عربي-عربي، ولا عربي-​إيران​ي. اساساً يلعب الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​ على تناقضات وخلافات الإقليم: يتسلل الى مساحاتهم من دون أي صعوبات. ألم يُظهر مطامعه خلال ​الأزمة السورية​؟ هو لا يزال يحاول التفرقة بين السوريين ويمنع أيّ محاولات للم شمل ​الجمهورية العربية السورية​. ألم يقم بتغذية النزاع الخليجي؟ هو يسابق العرب في ​ليبيا​ أيضاً، ويحاول مدّ النفوذ من غزة إلى مصر، ومن شمال ​سوريا​ الى كل أراضيها وعبرها الى ​لبنان​.

لا يمكن المساواة بين خطر تركيا على ​العالم العربي​ وطموحات إيران، لإعتبار أساسي: لا مصلحة ​أردوغان​ية بنهوض إسلامي سنّي عربي في وقت يحاول فيه الرئيس التركي ان يتزعم ​العالم الإسلامي​ السنّي في العالم. بينما لا تشكّل ​طهران​ خطراً في هذا المقياس الإسلامي، لأن إيران الإسلامية الشيعية لا تقدر ولا تدّعي أنها تحاول الوصول الى تلك الزعامة للاسلام السنّي. من هنا يمكن الجزم أن اكثر المتضررين من المصالحة الخليجية هو أردوغان. فهل يحاول لاحقاً دقّ إسفين جديد بين الرياض و​الدوحة​؟ يبدو أن جهود الكويتيين ومصالح السعوديين والقطريين تفوّقت على مساعي أردوغان، بينما لا تزال تركيا تصوّب السهام على ​الإمارات العربية المتحدة​ التي تباعدت نسبياً عن المملكة السعودية في مقاربة ملف ​اليمن​ وملفات إقليمية أخرى، رغم التحالف القائم بينهما.

بالمحصلة، يُمكن القول إنّ البدء بخطوة المصالحة بين السعودية وقطر تفرض إستقراراً خليجياً، لكن هل تدشّن زمن التسويات والمصالحات أوسع من مساحة الخليج؟.

تؤكد كلُّ المُعطيات أنّ الحلول لا يمكن أن تطلّ بشكل أوسع في الإقليم من دون مواجهة التمدّد التركي القائم في كل إتجاه: البداية من سوريا. فهل تُكمل الكويت خطواتها التصالحية على مساحة العالم العربي؟ من السابق لأوانه حسم توجهات الإقليم قبل معرفة توجهات الإدارة الأميركية الآتية إلى الحُكم. فلننتظر الأشهر القليلة المقبلة. وفي حال سلك التفاوض الأميركي-الإيراني في مساره، سيكون الإقليم بمنأى عن مزيد من النزاعات.