عندما انتشر وباء "الكورونا" تمّ تصويره كمرض الطّاعون الذي لا يبقي ولا يذر، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك، إنما كثرة الدعاية المخيفة وبيانات منظّمة الصحّة العالميّة التي تخبّطت، عن قصد، أو عن غير قصد، بالتعامل مع هذا الفايروس، جعلت "الخوف" من الكورونا أخطر من المرض نفسه.
لا يمكن إعتبار موضوع الخوف من "الكورونا" مزحة، وإن كان الخوف الطبيعي مقبولاً ومطلوباً للوقاية والحذر، إنما عندما يزداد عن حدّه الطبيعي فإنه يسبب "مرضاً" إسمه "رهاب المرض"، وهو الخوف الشديد من الإصابة بمرض معين، ويعبّر مفهوم الخوف من المرض عن إصابة الشخص بحالة من الإعتقاد بالإصابة بأحد الأمراض الخطيرة على الرغم من ظهور أعراض قليلة وعدم ظهور أعراض إطلاقاً.
في حالة الكورونا، هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من الخوف الشديد، ما يجعل صحتهم تنهار، فيُصابون بالتوتّر الشديد، ارتفاع حرارة، إسهال، آلام بالجسد، انخفاض بالضغط، وهذا تماماً ما يحصل مع محاسن التي تعبّر في حديثها لـ"النشرة" عن خوفها الشديد من الإصابة بالكورونا أو إصابة أحد أفراد عائلتها.
تقول محاسن: "كل نهاية أسبوع تتكرر الحالة، فأشعر بكل عوارض الكورونا من تعب وإرهاق ولعيان وارتفاع بحرارة الجسد، تنميل في جسدي، هبوط بالسكر، والسبب هو خوفي الشديد على والدتي المصابة بمرض عضال، وشقيقي المصاب بقصور رئوي، ونهاية الأسبوع ترتبط بزيارتي للعائلة في البقاع"، مشيرة إلى أن العوارض هذه لا تنتهي إلا بعد إجراء الفحص وصدور النتيجة سلبية.
ليست محاسن وحدها من تُعاني من هذا الأمر، زينة مثلاً علمت منذ أيام أنّ زوجها خالط أحد المصابين بالكورونا، فتوجّه لإجراء الفحص، فأصيبت هي بعوارض المرض. تقول زينة لـ"النشرة": "عندما توجه زوجي لإجراء الفحص صرت كلما نظرت إلى أولادي أشعر بالخوف الشديد، ويبدأ جسدي بالارتعاش، وأصبت بضيق تنفس ولم استطع الكلام، وبتّ أسمع دقّات قلبي، وانخفض ضغطي، بقيت على هذا الحال لحين وصول نتيجة زوجي السلبية".
تشير زينة إلى أن الخوف بات شريكهم في حياتهم، لا يخرجون ولا يختلطون، والقلق يصيبهم كلّما اقترب الكورونا منهم، أما مريضة أخرى فقد فقدت وعيها بعدما تبين أنها مصابة بالكورونا، وكانت أعراض الخوف والتوتر أكبر من أعراض الفايروس نفسه.
لا شكّ أن "الكورونا" شكّل ضغطاً نفسياً هائلاً على البشرية جمعاء، خصوصاً على الناس الذين يخافون المرض، أو يخافون نقله إلى أحبائهم، وبالتالي أصبح هناك بحسب المعالج النفسي علي العطّار دراسات علمية عديدة تتناول هذا الملف، حتى أنه أصبح هناك مصطلحات جديدة تُستعمل مثل "الإرهاق من التعقيم بسبب الكورونا"، مشيراً في حديث لـ"النشرة" إلى أن الضغط السلبي على البشر ازداد، والأثر النفسي أصبح واضحاً. ويضيف العطّار: "الخوف يُنتج أعراضاً جسدية، وهذا الأمر ليس جديداً، وهناك عدّة عوارض لقياس "المحنة النفسية"، يمكن من خلالها اكتشاف "وجود الضغط النفسي".
أحياناً يكون الخوف والقلق والتوتر أصعب على الإنسان من فايروسات معيّنة منها "الكورونا"، لذلك يجب التعامل مع المسألة بوعي وانتباه، لكي لا تتحول "فكرة" الوقاية إلى "وسواس" مرضي!.