لم تتّضح تفاصيل السياسات التي ستعتمدها إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن في العالم. هو كان حدّد معالم سياساته خلال حملته الإنتخابية في الأشهر الماضية، لكنّ وجوده في البيت الأبيض يحتّم عليه إجراء تغييرات شكلية وجوهرية. وإذا كانت العواصم ترجّح أن بايدن سيكرر تجربة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، فإن الرئيس الآتي إلى مركز القرار لم يستعن بطاقم أوباما، مما يعني وجود تغييرات مرتقبة تقلق عواصم عدة، وخصوصاً في الإقليم.
ترتاح الدول الأوروبية لوصول بايدن بعد معاناتها من مقاربة ترامب للسياسات الدولية وتجاوزه الأحلاف والأعراف التي سرت في العقود الماضية، بعد الحرب العالمية الثانية، وتكرّست بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي. كما أن الصين تعود بعد قلق وإستنفار، إلى ثبات خطواتها نحو الريادة العالمية، بعدما كان ترامب أربكها طيلة السنوات الأربع الماضية، بإعتبارها الخصم الرئيسي للولايات المتحدة الأميركية -صناعياً وتجارياً وتقدّماً علمياً ومالياً-؛ بينما يترقّب الروس سياسة بايدن، وهم يتوقعون جفاء العلاقة بين موسكو وواشنطن، إنطلاقاً من إتهام سابق لروسيا أنها دعمت ترامب لإيصاله في المرة الأولى إلى رئاسة الولايات المتحدة. مما يعني أن الأدوار المتبادلة إنقلبت على خطي: موسكو-واشنطن، وبكّين -واشنطن.
ينعكس الإختلاف المُشار إليه على الإقليم، حيث يتواجد الروس والأميركيون، بشكل مباشر، او عبر حلفاء أو من خلال نفوذ ومصالح، ليزيد من حجم القلق الإقليمي: بايدن يشاكس سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولا يودّ حكّام الدول الخليجية، بينما يُنتظر أن يرعى اتفاقاً بين بلاده وإيران.
لذا، هناك من ربط بين الإندفاعة نحو المصالحة الخليجية والحذر الخليجي-التركي من التوجّهات الأميركية الآتية الى الإقليم: أعطت أنقره الضوء الأخضر للدوحة للدخول في مصالحة سعت إليها الرياض ايضاً لنفس الأسباب. رغم أن تركيا هي أكثر المتضررين من أي تقارب خليجي-خليجي، أو عربي-إيراني. لكن الهواجس الأردوغانية جرّاء السياسة البايدنية دفعت أنقره، اولاً لتخفيف أزماتها الإقليمية عبر مصالحات، ومغازلة تل أبيب من جهة ثانية، بعد جفاء نسبي متبادل بين الإسرائيليين والأتراك في الفترة الماضية. هنا تلاقت مصالح كل العواصم المعنية، لنفس الدوافع، سواء الدول الخليجية او تركيا او إسرائيل.
على ضفة إيران، ترفع الجمهورية الإسلامية من مستوى خطاباتها وتهديداتها، لسببين أساسيين: اولاً، منع الأميركيين من السماح لترامب القيام بهجوم ضد إيران في آخر أيام إدارته، وهو ما لقي صدى في واشنطن حيث سارعت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى الطلب من رئاسة الأركان العسكرية الأميركية عدم تنفيذ أيّ أوامر ترامبية بالهجوم العسكري على إيران. ثانياً، دخول طهران بسقف عال إلى مفاوضات مع الإدارة الأميركية العتيدة لتحسين شروطها في الإتفاق المُرتقب. وفي الحالتين تبدو إيران أكثر ارتياحاً مع الإدارة الأميركية مما كانت عليه مع ترامب.
هناك عوامل داخلية أميركية ستفرض صداها في الإقليم، بالتزامن مع حديث الديمقراطيين العائدين الى القرار عن ديمقراطية مطلوبة في ساحات دولية، بعدما هشّمها ترامب بتحالفاته وسياساته ومصالحه الإقتصادية. لذا، فإن تغييرات واسعة في كل اتجاه مرتقبة في الإقليم والعالم.