قد يعلو صراخ وعويل أصحاب المراهنات الفاشلة في لبنان أكثر فأكثر في الأيام المقبلة، بالتزامن مع رحيل الإدارة الأميركية الراهنة برئاسة دونالد ترامب، الذي فشل أيضاً بدوره، في محاولة إرباك الكونغرس الأميركي خلال المصادقة على نتيجة فوز خصمه الرئيس المنتخب جو بايدن، من خلال إقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول، خلال إجراء الكونغرس عملية المصادقة المذكورة مؤخراً. ووجه الرئيس الأميركي بذلك، ضربة موجعة للحياة الديمقراطية في الولايات المتحدة، لكنها إرتدت سلباً على الأخير، ودفعت بأبرز أركان إدارته، الى تقديم إستقالاتهم تباعاً، إستنكاراً على ما أقدم عليه أنصاره في الكابيتول. وبلغت درجة الإشمئزاز لدى الأميركيين، الى حد المطالبة بعزل ترامب فوراً ، أي قبل أيامٍ قليلةٍ من موعد خروجه الدستوري من البيت الأبيض. وأسهم ذلك بإعطاب الأخير من إمكان القيام بأي مغامرة غير محسوبة تستهدف محور المقاومة . من هنا علا أنين المراهنين في الداخل اللبناني وبعض الأطراف الأقليميين، أثر هذه التطورات المذكورة آنفاً على الساحة الأميركية، كونها بددت كثيراً من "أحلامهم"، خصوصاً لناحية توجيه ضربةٍ أميركيةٍ لمحور المقاومة، وفي طليعته حزب الله في لبنان.
ولكن كعادتهم فشل المراهنون على العدو عينهم، الذين جهزوا الزنازين في سجن رومية ليضعوا فيها الرئيس العماد إميل لحود، وقادة المقاومة وأمينها العام السيد حسن نصر الله، خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، ظناً منهم أن الغلبة ستكون لمصلحة العدو آنذاك.
وتمثل فشلهم الذريع اليوم بسقوط "مشروع" وزير الخارجية الأميركية في إدارة ترامب، مايك بومبيو في لبنان، المرتكز على خمسة دعائم، وهي: الفراغ السياسي، الإنهيار المالي والاقتصادي، الإنهيار الاجتماعي، الفلتان الأمني، وتمهيد الطريق لعدوان إسرائيلي يستهدف المقاومة في لبنان.
أمام هذا الواقع، تحديداً فشل الإدارة الترامبية في إسقاط حزب الله، يكشف مرجع سياسي أن بعض الأطراف الأوروبيين، وفي مقدمهم فرنسا، طرحوا على الإدارة الأميركية الجديدة، طرحاً يتضمن تحييد لبنان عما يحدث من حوله من صراعات، خوفاً من إنتقال لبنان الى الحضن الروسي – الإيراني بالكامل، خصوصاً بعد إنتهاء وظيفة لبنان في المنطقة، أثر إسقاط النظام المصرفي اللبناني، وضرب قطاعات الخدمات والسياحة والنقل والترانزيت فيه، في ضوء موجة التطبيع الخليجي مع "إسرائيل"، ما يعزز فكرة التخلي الخليجي عن لبنان، على حد قول المرجع. لذا ساد لدى الأوروبيين وسواهم من الأطراف الناشطين على خط الأزمة اللبنانية، "خطة إنقاذية مرحلية"، لوقف الإنهيار، تبدأ بتشكيل حكومة قادرة على مواكبة المرحلة الإنتقالية الراهنة، أي (ما بعد إنتهاء ولاية ترامب ولغاية تسلم بايدين، ثم شروعه في بحث ملفات المنطقة، خصوصاً في شأن إمكان العودة الى الإتفاق النووي مع إيران، وما قد يحمل من إنعكاسٍ إيجابي على الأوضاع في لبنان والمنطقة). ويلفت المرجع الى أن طبيعة هكذا حكومة، تتطلب أن يكون على رأسها رئيساً مرناً ومقبولاً من المكونات اللبنانيين الرئيسية في الحد الأدنى. وهذه المواصفات لا يتمتع فيها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، خصوصاً بعد فشله في التفاهم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تأليف الحكومة منذ تشرين الثاني الفائت. وفي ضوء إستمرار تصلب الموقف الخليجي، تحديداً السعودي – الإماراتي الرافض لمشاركة حزب الله في أي حكومة يترأسها الحريري، المدعوم خليجياً. ويرجح المرجع إعتذار الحريري عن تأليف الحكومة المرتقبة، وتوجه الكتل النيابية الى تسمية رئيسٍ آخرٍ، بموافقة أوروبية وسكوت إقليمي، وغض نظر دولي، تحديداً أميركي، لأن الحريري غير قادر على الإستمرار، والبلد يؤول الى مزيدٍ من التداعي، ودائماً بحسب ما يقول المرجع.
وفي السياق، تعتبر مصادر قريبة من رؤساء الحكومات السابقين، أن حال المراوحة الحكومية الراهنة، هي مسؤولية الأطراف المعنيين بعملية "التأليف"، آملةً في ألا يتردد هؤلاء المعنيين في إعلان الأسباب الحقيقية التي تحول دون ولادة الحكومة المرجوة، ومن يقف ورائها، قبل الكلام عن استبدال الحريري. وتختم بالقول : " لامبرر على الإطلاق في الإستمرار في سياسية التعطيل".
في المقابل، يستغرب مرجع في العلاقات الدولية الإفراط في التفاؤل لدى بعض الأطراف، أثر خسارة ترامب في الإنتخابات الرئاسية ورحيله عن البيت الأبيض، مؤكداً أن بايدن لن يخفف الضغوط عن دول محور المقاومة، إلا بما تقتضيه المصلحة الأميركية. ويلفت الى أن مسألة دمج "إسرائيل" في المنطقة، هي شأن إستراتيجي أميركي، غير مرتبط بمرحلة وجود ترامب على رأس الإدارة الأميركية، هذا على سبيل المثال لا الحصر، لذلك من غير المنطقي التوقع بانفراجات قريبة، يختم المرجع.