كان المؤتمر الصحفي الذي عقده الوزير السابق جبران باسيل مناسبة للتأكيد على الثوابت الأساسية التي قام عليها التيار الوطني الحر، وتكرّست خلال مسيرة قيادة الرئيس عون للتيار في مرحلة ما بعد عام 2005.
لا شكّ أن الظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة أثرّت بشكل أوبآخر على التيار الوطني الحر، خاصة مرحلة "الضغوط القصوى" التي شهدها لبنان، وشهدها التيار بالأخص كونه حليفاً لحزب الله. لقد أدّت هذه الضغوط لإعطاء مساحة علنية لطرح بعض الأسئلة الداخلية حول جدوى هذا التحالف ومدى التزام حزب الله بوثيقة التفاهم وأهمها بند "بناء الدولة". لكن الأهم، أنها سمحت بخروج العديد من المحسوبين على التيار بتصريحات علنية أقل ما يقال فيها أنها انقلاب على الثوابت والمبادئ التي أرساها العماد ميشال عون منذ عام 1988 ولغاية اليوم.
وعليه، كان خطاب باسيل في شقّه الاستراتيجي مفصلياً، لإعادة تصويب البوصلة وتكريس الثوابت وأبرزها:
أولاً- لا لتقسيم لبنان تحت أي عنوان صريح أو مقنّع:
لقد شهدت وسائل التواصل والاعلام تصريحات عدّة تريد أن تعيد لبنان الى خطابات الحرب الاهلية ومشاريعها التقسيمية التي دفع ثمنها اللبنانيون الغالي والنفيس ودفع المسيحيون خاصة من دمائهم، وكلّفتهم دورهم ووجودهم في النظام اللبناني، وأهمها طروحات التقسيم المقنّع تحت شعار "الفيدرالية ".
لا شكّ أن الفيدرالية نظام معتمد في العديد من البلدان المتقدمة وقد يكون وصفة جيدة للعديد من المجتمعات المتعددة، لكن الفيدرالية المطروحة في لبنان على أساس طائفي و/ أو مناطقي، ومع الانقسام العامودي الذي يعيشه لبنان، والسعار الطائفي والمذهبي في لبنان والمنطقة، والاختلاف حول الهوية والدور، والتباين في الرؤى حول السياسة الخارجية والدفاعية والنقدية (وهي اختصاصات الدولة المركزية)، ستكون وصفة لزيادة الشرخ الطائفي والمذهبي وتهميش الفئات الأقلوية في كل "كونتون" جغرافي أو طائفي.
كما نعرف لبنان وتركيبته، ندرك أن أي مشروع فيدرالي سيكون وصفة لإعادة أحلام "الكونتونات" السابقة، وعودة عنصرية ومحاولات إلغائية تحت عنوان "مناطقنا ومناطقهم / نحن وهم"، بالإضافة الى زيادة محاولات اللبنانيين الاستقواء بالخارج على شركائهم في الوطن.
بعبارات صريحة أكد باسيل " ... يلّي بيعتقد انو بتقسيم لبنان، هو بيسلم وبيقوى، هو خاوي!"، وهذا مبدأ أساسي قام عليه التيار الوطني الحر وكان أساس في مسيرة العماد عون النضالية "لبنان أكبر من أن يبلع وأصغر من أن يقسّم".
ثانياً: العداء مع "اسرائيل"
أكد باسيل على ثوابت التيار الوطني الحر التي تدرك أن النموذج "الاسرائيلي" القائم على العنصرية ويهودية الدولة هو نقيض لنموذج التعايش اللبناني القائم على التعددية والتسامح الديني. وصوّب على مَن يدعون الى الاستسلام تحت عنوان "تعبنا وبدنا نعيش"، بالقول أن السلام بدون عدالة وبدون إعطاء الحقوق الفلسطينية وأهمها حق عودة اللاجئين (الذين يعيش قسم كبير منهم في لبنان) هو وصفة لحرب أهلية لبنانية ونهاية وجود لبنان.
ثالثاً- العلاقة المميزة مع سوريا وحفظ العلاقات الجيدة مع دول العالم حتى المتخاصمة اقليمياً
انطلق باسيل في مقاربته للعلاقات اللبنانية السورية من المصلحة اللبنانية الأكيدة بحسن الجوار والعلاقات الجيدة مع سوريا ومع الدول العربية، والانفتاح على الغرب والشرق معاً. وأكد باسيل موقف التيار من الجدال اللبناني الداخلي حول الموقف من سوريا، بالتأكيد أن لبنان المتخاصم مع سوريا والمعادي لها سيكون أضعف اقتصادياً وسيسهل استهدافه اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً الخ.
وهذا مبدأ استمر عليه التيار الوطني الحر حتى في عزّ نضاله ضد الجيش السوري في لبنان، خلال فترة حرب التحرير وما بعدها في التسعينات، حين أكد العماد عون مراراَ : فلتخرج سوريا من لبنان ونقيم معها أفضل العلاقات المميزة.
رابعاً- إعادة التذكير بنهج الحريرية السياسية
بغض النظر عن التفاصيل المحلية المرتبطة بتشكيل الحكومة، لا شكّ أن باسيل كان يهدف في مقاربته للأمور المحلية بإعادة التذكير بإرث الحريرية السياسية الذي استقوى بالسوريين لتطبيق نهج اقتصادي سياسي اجتماعي أفقر لبنان وكرّس الفساد والمحسوبية والزبائنية والنظام الريعي، وهمّش المسيحيين في النظام، وجعل من رئيس الجمهورية "باش كاتب"... وبالتالي كيف يمكن إعادة إنتاج هذا النظام وتوقّع نتائج مختلفة!.
واقعياً، لقد كان خطاب باسيل متعدد الرسائل التي أطلقها في اتجاهات شتى خارجية وداخلية، ومنها أيضًا رسائل للمغردين خارج السرب من أنصار التيار والمحسوبين عليه، حين أكد بكلمات صريحة وواضحة، أن هناك أصوات "بتجنح... لأنها بتواجه عن حق حيط بيسدّ أفق الحل"، لكنه ومع إعطائه جزء من الأحقية (التي يعود جزء منها لليأس)، أكد أن التيار سيحافظ على الميثاق الوطني، ولن يدخل بمشاريع إنفصالية، وأنه سيبقى على طرحه الأساسي ورؤيته للبنان "دولة مدنية مع لامركزية موسعة".