مسعود الاشقر لم يعد بيننا . سيد الحضور غاب. بيروت تبكي فتاها، وساحات الاشرفية، الرميل، الصيفي، المدور خلت بعدما هزمته الجائحة وهو الذي لم يهزم يوما، ولم يستسلم.
"بوسي" شعلة الحياة التي تسعى على قدمين ما ملكت يداه الا النخوة ، والاندفاع حتى التضحية،تمثلا بقول آلاب " اي حب اعظم من ان يبذل الانسان نفسه عن آلاخرين".
اي سحر شدنا اليك، بل اي قدر جمعنا بك منذ عقود من السنوات، وكأنها اليوم في دورة الزمن المتهالك؟
احببناك دون مقدمات. بل دون تفسير، لا نعرف كيف ولماذا . يا حارس الثغور يوم " دق الخطر عالبواب" ، يا رجل التواصل يوم تهافتت الحدود المصطنعة بين شطري الوطن، يا مغيث من عبست في وجوههم الاقدار، واللائذ الدائم الى جانب المهمشين، والمستضعفين. يا المبادر ،وانت الغني باباء النفس،لا الجيوب المليئة، لاقالة عثار الفقراء، ونجدة المرضى، واطعام الجياع.
لم تكن منظرا، ولم يستهوك التنظير، والغوص في متاهة التحليلات، بل كنت تمارس دورك الوطني ، والتزامك الديني‐ الانساني فعل التزام، وخدمة على الارض.
ماذا اقول فيك وعنك . صدقني ان كل ما في معاجم اللغة من كلمات تعجز عن ايفائك ما تستحق ، ايها المستغرق في الصمت الابدي ، المبكر في الرحيل، المتعجل الخطى للقاء رفاق احببتهم، سبقوك الى عل مضرجين بمجد الشهادة، وقد استبد بك البرحاء لتسقط اخوالهم، وعناقهم، وبناء وطن جميل حيث تكونون، يشبهكم ،بعدما استحال عليكم اقامته في هذا الوطن المبتلى بجائحاته.
مسعود ،تغادر لبنان الغارق في الفساد ،والانقسامات، والاحقاد، الذي نشهد فيه توالد اسباب الفتنة وتناسلها، وفي قلبك غصة ان فارقته قبل ان تزف ساعة قيامته. كنت ضحية الجائحة التي كنت تسعى لاسعاف ضحاياها وحمايتهم. اخطأت الهدف واصابتك ، وكأنها تريد اصابتنا جميعا، وتتركنا لوجع مقيم، لن يؤتى لنا ان نخلعه عنا،لفرط ما سيخلفه غيابك من اثر عميق.
ماذا اقول لغريتا ،ولزهراتك الأربع، ليس سهلا ان تكن زوجة وفلذات بوسي. انكن ستحملن ارثا ثمينا لا تعادله كنوز الذهب والماس، فحافظن عليه، وتابعن الطريق، وتذكرن ان من له هذا الزوج والاب، لا يمكن ان يعيش الا عالي الجبين ، مرفوع الرأس، لان لغيابه قوة الحضور الدائم.
ويا صديقي،ورفيقي مسعود، إن الموت نقاد لا يتخير سوى الجياد، وقد تخيرك اليوم لتكون في الملكوت السماوي، فاذهب يا رعاك الله الى حيث لا وجع ولا الم. يواكبك دمعنا الذي نذرفه بسخاء ،يا صاحب القلب السخي الذي توقف قبل اوانه.