شكل حدث اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي من قبل أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للإطاحة بنتائج الإنتخابات وضمان بقائه في البيت الأبيض بعد 20 الشهر الحالي، شكل منعطفاً في مسار الأزمة البنيوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تعاني منها الإمبراطورية الأميركية، والتي تفاقمت في عهد إدارة ترامب..
واذا كان العالم اعتبر هذا المشهد علامة من علامات التصدّع الذي تشهده الإمبراطورية الأميركية ودليلاً على دخولها في مسار من اشتداد الصراعات الداخلية، يفاقمها انتهاء مرحلة صعود الإمبراطورية وازدهارها، ودخولها مرحلة التراجع والأفول والاضمحلال على غرار الإمبراطوريات التي سبقتها في التاريخ.. الا انّ هذا المشهد كان صادماً في الدول الحليفة لأميركا، والتي تعتمد على قوّتها وهيمنتها الدولية، لا سيما كيان العدو الصهيوني الذي يستند في استمرار وجوده وتفوقه العسكري والاقتصادي إلى المصل الأميركي، الذي إذا ما انقطع فإنه سيحرم الكيان من هذا المصل الحيوي لوجوده المصطنع القائم على قوة الإرهاب والقمع..
وأهمية هذا المصل الأميركي في وجود كيان العدو عبّر عنه أخيراً، قبل حدث اقتحام الكونغرس، نائب رئيس وزراء العدو موشيه يعلون الذي اعتبر انّ تراجع الهيمنة الأميركية في المنطقة يثير القلق في «إسرائيل»، التي تعتبر الولايات المتحدة مركباً هاماً من مركبات أمنها… لذلك فإنّ «إسرائيل» قلقة من تآكل مكانة أميركا، وأنّ هذا التآكل يتجسّد في الصعوبات التي تواجهها واشنطن في كبح منافسيها في المنطقة والحفاظ على ثقة حليفاتها..
هذا القلق «الإسرائيلي» من تراجع الهيمنة والمكانة الأميركية في المنطقة والعالم، يؤشر إلى مدى العلاقة العضوية التي تربط «إسرائيل» بأميركا، فإذا كانت أميركا قوية ومهيمنة فإنّ ذلك ينعكس إيجاباً بتعزير قوة «إسرائيل»، أما إذا ضعفت أميركا وتراجعت هيمنتها، فإنّ «إسرائيل» سوف تضعف قوتها، ويتراجع سلطان احتلالها..
يقول أحد المعلقين، في إشارة بليغة إلى حيوية الدعم الأميركي بالنسبة لـ «إسرائيل»: «إذا غيّمت السماء في واشنطن فإنّ على الإسرائيليين حمل المظلات خشية التبلل».
من هنا فإنّ استمرار تراجع وضعف أميركا واضمحلال قوتها سوف يؤدّي إلى انعكاسات سلبية كبير وصاعقة على كيان الاحتلال الصهيوني، في كلّ النواحي، العسكرية والاقتصادية والسياسية..
على أنّ تراجع الهيمنة والقوة الأميركية وانشغالها في أزماتها الداخلية المتفجّرة، والذي لعب حلف المقاومة دوراً أساسياً فيه، من خلال استنزاف القوة الأميركية وإفشال وإحباط أهداف حروبها المباشرة وغير المباشرة، إنما يشكل الفرصة المواتية لتحقيق ما يلي:
أولاً، تشديد ضربات المقاومة ضدّ قوات الاحتلال الأميركية وأدواتها وأعوانها لتسريع إلحاق الهزيمة النهائية بها وإجبار إدارة الرئيس جو بايدن على أخذ قرار الانسحاب من سورية والعراق..
ثانياً، إحداث التحوّل الكبير في موازين القوى لمصلحة حلف المقاومة، وعودته إلى توجيه جهوده وطاقاته باتجاه مواجهة كيان العدو الصهيوني لأجل تصعيد حرب المقاومة المسلحة ضدّه لاستنزافه ومفاقمة أزماته الداخلية وإجبار على التراجع تلو التراجع…
انّ ما يجري من تفجر للنموذج الأميركي وتصدّعه ما كان ليتمّ لولا:
1 ـ المقاومة الضارية التي واجهت القوة الاستعمارية الأميركية الصهيونية العربية الرجعية، في العراق ولبنان وسورية وفلسطين واليمن وفي مواجهة إيران، ونجاح المقاومة في إلحاق الهزائم المتتالية بالمشروع الأميركي للسيطرة والهيمنة على المنطقة.
2 ـ ولولا المقاومة التي خاضتها روسيا والصين ودول أميركا اللاتينية وكوريا الديمقراطية إلخ… في مواجهة الهيمنة الأميركية الأحادية.
ولهذا فإنّ استمرار هذه المقاومة هو الكفيل بإلحاق الهزيمة الحتمية بمشروع الهيمنة الاستعمارية في العالم وتسريع ولادة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، وإسقاط أحلام الصهاينة في تصفية قضية فلسطين، واستطراداً تحرير فلسطين وكلّ الأرض العربية من الاحتلال الصهيوني على طريق تحقيق تحرّر الأمة واستقلالها الحقيقي السياسي والاقتصادي، وكلّ تطلعاتها في الوحدة والتنمية والتقدّم…