يبدو ان كل المساعي والمحاولات التي كانت تجري على قدم وساق والتي كان آخرها الحراك الذي قام به البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بغية إخراج ملف تشكيل الحكومة من عنق الزجاجة، قد ذهبت ادراج الرياح، بفعل المناخات السياسية الشديدة السخونة التي ظهرت في اليومين الماضيين والتي شهدت أعلى ارتفاع لها أمس الأوّل بفعل ما سرّب من كلام لرئيس الجمهورية ميشال عون والذي اتهم فيه الرئيس المكلف سعد الحريري بـ«الكذب».
وفور شيوع هذه التسريبة عبر شاشات التلفزة بدأ عدد من الأسئلة يطرح حول مصير الحكومة العتيدة، وهل ما زال ممكناً التعايش ولو بالمساكنة بين الرئيس عون والرئيس الحريري في حكومة جديدة؟.
القراءة الأوّلية لما حصل إن من خلال الكلام الذي سرب عن رئيس الجمهورية وما سبقه من هجوم عنيف من النائب جبران باسيل ضد الرئيس المكلف تذهب في اتجاه الجزم بأن كل المساعي التي جرت في الأيام الماضية لوصل ما انقطع بين قصر بعبدا وبيت الوسط وبالتالي الذهاب باتجاه تقريب المسافات بين الرجلين للوصول إلى توليفة حكومية تخرج البلد من النفق قد تبخرت وعادت الأمور إلى ما دون الصفر، لا بل إن ما حصل عن ارتفاع في حدة الاشتباك السياسي يدل على ان الأفق الداخلي بالنسبة لتأليف الحكومة بات موصداً بالكامل، وان البلاد دخلت في مرحلة سياسية لا تقل خطورتها عن التفشي المتسارع لفيروس كورونا والذي حتم على المسؤولين اتخاذ القرار بالاقفال التام لأكثر من عشرة أيام في محاولة غير محسومة النتائج للتخفيف من حدة انتشار هذا الفيروس الذي دخل غالبية بيوت اللبنانيين.
الرئيس المكلف ينزع من رأسه أي فكرة للاعتذار بعد كلام باسيل واتهام رئيس الجمهورية له بالكذب
وفي هذا السياق، يعرب مصدر وزاري سابق مطلع على مسار التحركات التي كانت جارية لوضع قاعدة تفاهم على توليفة حكومية، عن اعتقاده بأن شعرة معاوية قد انقطعت بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي وبين الرئيس المكلف سعد الحريري، وهو يرى ان ما حصل قد ضرب مبادرة بكركي كما كانت قد ضربت المبادرة الفرنسية قبلها، معتبراً أنه مع نسف المبادرة الفرنسية قد اطيح بثلاثة عناوين: المساعدات الدولية، الإصلاح، والحكومة بذاتها، ومع ضرب مبادرة البطريرك الراعي يكونون قد ضربوا الحكومة ومعها الوفاق الوطني.
ويؤكد المصدر ان المقاربة التي كانت تحصل لتأليف الحكومة في الأسابيع والأشهر الماضية قد انتهت، وفي حال حصل احياء لعملية التأليف فإنه بات يلزم ذلك مقاربة جديدة مختلفة تماماً عن تلك التي كانت قائمة قبل وصول الاشتباك السياسي بين الأطراف المعنية إلى ما وصل إليه بالامس.
ويذهب المصدر الوزاري إلى حدّ القول ان هناك من يعمل للانتقال من فكرة تأليف حكومة اختصاصيين إلى حكومة سياسيين بعد ان تبين لهم وفق رأيهم ان الحكومة الجديدة ليست مهمتها الإصلاح وترميم اثار انفجار المرفأ، والمفاوضات مع صندوق النقد، إنما هي شرانق نهاية العهد وملء الشغور الرئاسي في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية كما هو متوقع، ولكن السؤال: هل ستكون هناك إمكانية لتأليف حكومة سياسية من دون عقوبات وعزل للبنان حتى من الأوروبيين والفرنسيين؟
ويؤكد ان أي تطوّر سيحصل في لبنان على مستوى تأليف الحكومة سيترافق مع تطوّر إقليمي حرباً كان ذلك أم سلماً، مشدداً على ان البطريرك الماروني غير ساكت عمّا يحصل لا بل انه غاضب جداً، وسيكمل بمبادرته التي لا سقف زمنياً لها، كون ان البطريرك ليس له سلطة تنفيذية حتى يقول فشلت أو نجحت، سلطته معنوية وسيستمر باستعمال هذه السلطة التي لا تخضع لمرور الزمن طالما المشكل الوطني قائم.
وإذ يستبعد المصدر وجود إمكانية لتأليف حكومة في الأفق القريب، فإنه يرى ان هذا الأسبوع سيكون مليئاً بالمفاجآت والتحركات، من دون ان يفصح عن ماهية هذه المفاجآت والتحركات التي ستحصل في ظل السؤال عن مصير تأليف الحكومة، وما يُحكى عن مؤتمر تأسيسي، والتطبيع الحاصل بين إسرائيل وبعض الدول العربية، لكنه يعود ويستطرد بالقول في النهاية في السياسة كل شيء ممكن، فحكومة الرئيس تمام سلام استغرق تأليفها احد عشر شهراً بين الأخذ والرد، «وفي ليلة ما فيها ضو قمر» اتخذ القرار وولدت الحكومة.
ويعرب المصدر عن اعتقاده بأن كلام الوزير السابق باسيل عن الرئيس المكلف قبل ثلاثة أيام قوّاه، وجاء الفيديو المسرب عن رئيس الجمهورية ليقويه أكثر فأكثر، ولنفترض ان الرئيس الحريري كان في وارد الاعتذار عن التأليف، فإنه بعد كلام باسيل وما سرب عن الرئيس عون قد انتزع هذه الفكرة من رأسه وبات متمسكاً أكثر فأكثر بمسألة تكليفه تأليف الحكومة، وهو ما سيجعل الاشتباك السياسي بين الطرفين في الأيام المقبلة أكثر شراسة وضراوة ما لم ينجح سعاة الخير في تفكيك صاعق هذا الاشتباك.