قبل ايام على انتهاء ولايته بشكل رسمي، صوّت مجلس النواب الاميركي للموافقة على المضي في اجراءات عزل الرئيس الاميركي دونالد ترامب. وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، فإن لا سلطة لمجلس النواب في الزامه على مغادرة منصبه، بل الامر يعود الى مجلس الشيوخ. ولكن الاهمية التي تكتسبها هذه الواقعة تتخطى امكان المغادرة للبيت الابيض قبل 20 من الشهر الحالي، الى ما هو اكبر واكثر دلالة. فترامب الذي بات اول رئيس اميركي في التاريخ يتعرّض لمثل هذا الاجراء مرّتين، يسبح في مياه ساخنة جرّاء ما يمكن انيحصل في المستقبل، لانه ولو ان مجلس الشيوخ كان واضحاً في عدم الاستعجال للانعقاد لمناقشة هذه الاجراءات قبل انتهاء ولاية الرئيس بشكل رسمي، فإنّ الامور اكثر تعقيداً بالنسبة الى الساكن الحالي للبيت الابيض، الى حد قد يكون سحب التفويض منه أمر جدي للغاية.
ماذا يعني ذلك عملياً؟ انها رسالة من النواب والسيناتوريين على حدّ سواء، مفادها ان ما حصل فيالسادس من الشهر الجاري لا يمكن ان يمر مرور الكرام، وعليه يمكن لمجلس الشيوخ عند اجتماعه لمناقشة الاجراءات، حتى بعد انتهاء ولاية ترامب، ان يخرج بقرار يضع حداً لايّ حلم او فكرة قد تراود الرئيس الحالي باعادة الترشّح في العام 2024 ايّ بعد انتهاء ولاية جو بايدن. هذا الامر ليس الاجراء الوحيد الممكن اتخاذه، لانّه اذا ادين بالفعل، قد يخسر ترامب الامتيازات التي يحق له الحصول عليها كرئيس سابق للجمهورية، وعلى الرغم من عدم حاجته المادّية الى مثل هذه الامتيازات لانه يتمتّع بثروة مالية، الا ان قيمتها معنوية ومهمة بالنسبة الى كل من سكن البيت الابيض لولاية رئاسيّة واحدة او اكثر. الاهم من كل ذلك، هو ان ترامب بات بالفعل مجرّدا من جناحيه، وينتظر ايامه المقبلة كضيف، بعد ان كان يلقي الكثير من الشكوك حول ما يمكن ان يتخذه من قرارات مصيرية عسكرياً او دبلوماسياً قد تصعّب مهمة خلفه فور تولّيه المنصب، او التأثير الذي يمكن ان يتركه على الاميركيين عبر امكان اندلاع مواجهات جديدة في ما بينهم، او التأثير على قرارات يمكن للمؤسسات الدستورية اتّخاذها اذا لم تكن تحظى برضاه. لذلك، يبدو انّأصبح اليوم دون انياب، ولم يعد هذا "البعبع" الذي لطالما اخاف الديمقراطيين والعالم، واصبح مصدر قلق وخوف للاميركيين اكثر منه لسواهم، وكأنه عملياً قد تم سحب التفويض الرئاسي منه بشكل غير رسمي.
من مصلحة الجمهوريين دون شك العمل على حقبة ما بعد ترامب، وعدم التلهّي بامكان عودته الى الساحة السّياسية وشقّ طريقه مجدّداً للانتخابات المقبلة، لانّ الضربة التي تعرّضوا اليها قويّة ولن يكون من السهولة تخطّيها خلال سنتين فقط، كما فعل الديمقراطيون في انتخابات نصف الولاية عام 2018. من هنا، يمكن فهم انضمام 10 نواب من الجمهوريين الى الديمقراطيين في التصويت لصالح اجراءات عزل ترامب، ولكن تبقى العبرة في معرفة اتّجاه مجلس الشيوخ وتحديداً اعضاء الحزب الجمهوري فيه، لمعرفة مدى توافر النّية في طيّ صفحة ترامب بشكل نهائي، ام ترك الباب مفتوحاً ولو بشكل جزئي، لإبقاء الروح المعنوية حيّة لدى الرئيس السابق للجمهورية بعد 20 من الشهر الحالي.
لا يختلف اثنان على ان عهد ترامب انتهى، ولكن يبقى معرفة ما اذا انتهت حياته السياسية بشكل نهائي ام ان هناك امكان مشاهدة جزء ثان من هذا المسلسل الاميركي الذي ابقى العالم على اعصابه طوال اربع سنوات؟.